فلنبدأ بالخيال

فلنبدا بالخيال (دراسة)

في السادس عشر من يوليو-عام 1969 م-انطلق من قاعدة (كيب كيندى) الفضائية-بالولايات المتحدة الامريكية-الصاروخ (ساتيرن-5)حاملا سفينة الفضاء (أبوللو-11) التى اخترقت الغلاف الجوى الأرضي وعلي متنها الرواد الثلاثة (نيل أرمسترنج) (أدوين الدرين)و(مايكل كولينز) في طريقها الي القمر وعبرت منطقة انعدام الوزن في تلك النقطة التى تتعادل فيها جاذبية الأرض معجاذبية القمر؛ قبل أن تبلغ مدار القمر فى التاسع من الشهر نفسه وتهبط مركبتها القمرية (النسر) علي سطح القمر في العشرين من يوليو ليطأ(نيل أرمسترونج)بقدمهأرض القمر كأول بشري يفعل هذا في التاريخ المعروف.
وفي ذلك اليوم وبينما كان الملايين يشاهدون لحظة وصول أول انسان الي القمر كان أحفاده ( جولي فيرن) و(هربرت جورج ويلز)يبتسمون في زهو وسعادة ويذكرون للجميع أن جدهما-(فيرن)أو(ويلز)-كان له الفضل الأول فى وضع فكرة السفر للقمر قبل أن تبرز الفكرة حتى فى عقول العلماء
وهذا صحيح..
ففي عام 1865 م ،وقبل أكثر من قرن كامل، كتب الأديب الفرنسى الأشهر ، (جولي فيرن)،رائعته(من الأرض للقمر)،التى وصف فيها رحلة صاروخ،ينطلق من الأرض،فى طريقه الي القمر، وعلي متنه رواد، وجاءت هذه التفاصيل مطابقة علي نحو مذهل، لنفس ما حدث بعد قرن كامل أو يزيد ،في رحلة(أبوللو-11)..
أما رائعة(هربرت جورج ويلز)(1866 – 1946) ، والتى كتبها في بدايات القرن العشرين ، (أولمن وصل الي القمر) ،فقدكانت أول نبوءة أدبية ،حول اختراق الانسان للغلاف الأرضى ، وتحطيمه للجاذبية الأرضية ،ووصوله للقمر ..وهذه روعة أدب الخيال العلمي..
وهذا النوع من الأدب ليس قديما ،كغيره من صنوف الأدب ، كالمسرحية والرواية والشعر، وغيرها، اذ لم يكن من الممكن أن ينشأ هذا الأدب،قبل أن تنطلق الثورة العلمية والصناعية، التى بدأت مع بدايات القرن التاسع عشر،وراحت تتطور فى سرعة مدهشة، لينبت معها ذلك الأدب الجديد،الذي يمزج ما بين جمال الأدب والانبهار بالعلوم والصناعات الحديثة..
وكان (جولي فيرن)هو أول من اقتحم هذا المجال،بعد أن حقق نجاحا معقولا فى أدب المغامرات،بروايته(5أسابيع في منطاد)،مماشجعه،وشجع ناشره،علي اصدار روايات الخيل العلمى،التى لم تكن مألوفة حينذاك،مثل (عشرون ألف فرسخ تحت الماء)،التى طور خلالها(فيرن)بخياله تلك الغواصة،التى ابتكرها الانجليزى(ك.ى.دريبل)،عام1620 م،ليضيف اليها-في روايته-كاشف الأعماق(السونار)والقدرة علي بلوغ القطب الشمالي،في حين لم يكن التفكير في هذا قد راود حتى عقول العلماء الأكثر تفاؤلا،ولكن (السونار)تم اختراعه بالفعل،قبيل بلوغ الحرب العالمية الأولى(1914-1917)،في حين لمتنجح الغواصات بلوغ القطب الشمالي،كما فعلتغواصة رواية (فيرن)، قبل أن يتم تزويدها بالطاقة الذرية عام 1953م..
وبعدها وضع (فيرن)عددا من أروع روايات الخيال العلمي،مثل(سيد العالم)(من الأرض الي القمر)،وغيرها،مما استحق معه لقب (أبو الخيال العلمي)، والذى ما زالت الموسوعات العالمية تلقبه به حتى الآن
ومن فرنسا تسلل أدب الخيال العلمى الى أوروبا،و بالذات الي انجلترا، حيث انتقل معه فن كتابة أدب الخيال العلمى من الانبهار بالأليات الحديثة الي مرحلة الفلسفة العلمية اذ تميزت روايات(ويلز) بالنظرة الفلسفية للأمور والدراسة الحذرة لنتائج التطورات العلمية في المستقبل ويتضح هذا في روايته(آلة الزمن) حيث سافر بطلها الي المستقبل البعيد ليجد العلم قد انقسم الي طبقتين رئيسيتين .. طبقة العمل الكادحة، التى صارت أكثر قوة وخشونة وطبقة المرهفين الناعمين ،الذين أصبحوامجرد غذاء ناعم ولذيذ للطبقة الكادحة .. وكذلك تتضح فلسفته العميقة في رواياته (أول من وصل الي القمر)و( حرب العوالم) ..و غيرها..
ومع انتشار هذا الأدب ظهرت أنماط أخرى من الرواية الخيالية مثل روايات ( دراكيولا اليى ابتكرها(برام ستوكر) مدير أحد المسارح حول شخصية أقرب الي الموتى منها الى الأحياء وتحيا علي امتصاص دماء الآخرين وتحويلهم بدورهم الي مصاصي دماء..
وعادت دور النشر تطبع رواية الشاعرة (مارى شيلي) ،(فرانكنشتين) التى وضعتها عام1817 م حول طبيب يصنع مسخا هائلا من أجساد الموتى ثم يعيده للحياة!!
ولكن هذه الروايات لم ترق أبدا الى مستوى روايات الخيال العلمى التى راحت راحت تنهمر كالمطر علي السوق الأدبي الأوروبي و الأمريكى في روايات بلغت بدورها شهرة واسعة مثل (دكتور جيكل ومستر هايد)، و(صورة دوريان جراى)ل(أوسكار وايلد) وحتى (آرثر كونان دويل)مبتكر شخصية (شيرلوك هولمز) كانت له أعمال عظيمة في هذا المجال مثل (العالم المفقود)و (النطاق السام) وغيرها ولكنها لم تلق نفس النجاح الذي لقيته شخصية (هولمز)
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية بدأت ظاهرة جديدة تجذب انتباه الناس ألا وهي ظاهرة تلك الأجسام الطائرة المجهولة التى اصطلح الصحفيون غلي اطلاق اسم( الأطباق الطائرة) عليها..
وبغض النظر عن الحقيقة و الخيال في موضوع الأطباق الطائرو هذا فقد أطلق مخيلة الأدباء والعامة نحو الفضاء والخيال والغموض وساعدت النهضة العلمية التى لحقت الحرب العالمية الثانية علي نمو هذا الخيال وعلي تنشيط وانعاش أدب الخيال العلمى مرة ثانية..
وفي عالمنا العربي برز أدب الخيال العلمى علي أيدى الأدباء المصريين مثل (الدكتور مصطفي محمود) والسكندرى العالم الدكتور(يوسف عز الدين عبسى ) و الأستاذ(نهاد شريف ) و(رءوف وصفي) وغيرهم ..
وفي احصائية حديثة نجد أن أدب الخيال العلمى يحتل 56%من قراءات الأوروبيين و67% من قراءات الأمريكيين و41% منقراءات السوفيت الذين يحظون بعدد من أعظم أدباء الخيال العلمى في العالم مثل (اسحق عظيموف) في حين لم يحتل أدب الخيال العلمى سوى 9,5% منقراءات العرب للأسف وهذا يعود الي قلة الكتاب في هذا المجال وقلة عدد الناشرين الذين يغامرون بانتاجه ..
أما بالنسبة للسينما فقد بلغت أفلام الخيال العلمى مرتبة لم تبلغها من قبل قط وعلى الرغم من أن تكلفة مثل هذه النوعية من الأفلام يبلغ عدة مئات الملايين الا أنها تحقق لمنتجيها أرباحا خيالية تؤكد اقبال المشاهدين عليها و انطلاقهم معهافي عالم الخيال ولقد بدا هذا واضحا في حرب الكواكب بأجزائه الثلاثة وE.T والعودة الي المستقبل والاتصال الأخير وغيرها..
وفي السنوات الأخيرة انتقل عالمنا العربي الي عصر العلم والتكنولوجيا وأصبحتالشركات الكبري تتنافس علي تعريب أجهزة الكمبيوتر لتغطية الاحتياجات المتزايدة للتقدم في هذه السوق الجيدة فهل سيأتى يوم يتبوأ فيه أدب الخيال العلمى مكانته وسط القراء والنقاد ؟.. وهل سنرى يوما أفلاما للخيال العلمى تنافس ( حرب النجوم) و(درب النجوم) وغيرها..
هل يظهر بيننا (جولي فيرن )عربي؟
لا يوجد جواب لهذا سوى الزمن وحده قد يدفعنا الي هذا كتطور طبيعي للعقول والأفكار فكما قال أبو الخيال العلمى (جولي فيرن):
الطريق الي التقدم يبدأ دائما بالخيال..
فلنبدأ اذن طريق التقدم..
فلنبدأ بالخيال..

د/نبيل فاروق

:فلههه: