وحي الأذان
إذا كانت النفس تسهو فتنام , أو تشرد فتضل ؛ فلابد لها من منبهٍ لا ينفك يوقظها إذا نامت , ويصيح فيها إذا ضلت ..
ولما كانت طبيعة النفس إلى الزيغ أميلَ منها إلى الثبات .. , وإلى العوج أقربَ منها إلى الاستقامة .. , ثم هي في ذلك كله دائبة عليه حتى صار ذلك من سجيتها , وأضحى من سماتها ؛ كان الشرط في هذا المنبه أن يكونَ من الديمومة والتكرار بحيث لا ينقطع فيُغفل عنه .. , ومن التجدد بحيث لا يُمل منه فينتفي أثره .. , ومن الحكمة والسداد بحيث يقع في القلوب فيصيبها ولا يحيد عنها .. فيبقى له أثره ..
ومن عظمة الإسلام أنه جعل لكل عبادةٍ نداءَها الخاص ها .. الذي ينبه القلوب الساهية فتلتفت , ثم يظل بها يجذبها ويشدها حتى تنفتل في روح العبادة ..
فقبل كل عبادة نداءٌ نسمعه في أذان الصلاة .. , ويصرخ بنا في رمضان قائلا "يا باغي الخير أقبل" .. , ويظل يقرع آذاننا آمرا بالإنفاق وإخراج الزكاة قائلا "وأنفقوا".. , ثم يصرعنا بقوته وشدته فلا يسعنا إلا أن نلبي صائحين " لبيك اللهم لبيك " ...
فقبل كل عبادة نداؤها يمهد لها ويحث عليها , ونرى في كل نداءٍ شروطه الثلاثة التي أسلفنا ذكرها .. خافية كانت أو بادية ..
ولنداء الصلاة سحره الخاص لما لها من شأنٌ عظيم .. فهي التي يمتاز بها المسلم عن غيره ..
ففي كل يوم يطالعنا المؤذن خمسَ مراتٍ تشمل اليوم كله في تفاوتٍ فيما بينها تتناسب وظروف كل جزءٍ من اليوم ..
فتظل النفس دائما في استجابة لنداء .. ؛ فهي إما خارجة من طاعة , أو متأهبة لأخرى ..
وقد أتى الأذان في صيغته وتركيبه في أبدعَ ما يكون نداءٌ لطاعة , وأقوى ما يكون حثٌ على خير , وأحكمَ ما يكون خطابٌ لنفس ..
فيبتدئ الأذان بكلمة الأزل "الله أكبر" .. فكأنها ناطقة لكل ذي قلب : أتدري لماذا النداء ؟ .. لأن الله أكبر ..
تأتي تنبيها وتذكيرا بتفاهة الدنيا إذا قورنت بعظمة الله وجلاله ..
ولم تكن الكلمة صلبة تنطوي على معنىً واحد دون غيره .. بل أتى فيها التجددُ والتنوع , فلها في كل صلاةٍ معنىً جديد .. , فإن كنتَ في لهو فالله أكبرُ من لهوك .. , وإن كنت في جدٍ فالله أكبر من جدك .. , وإن كنت في بيع فالله أكبر من بيعك ..
أي أن الله أكبر مما أنت فيه مهما كان أمره , ومهما بلغ شأنه ..
والكلمة في مجملها قليلة الأحرف .. فهي كالصيحة .. لتنبه .. , وكالدعوة .. لتجاب .. , وكالطرقة .. لتفيق ...
وكثيرة المعاني .. فهي كالحكمة .. لتخاطب .. , وكالجدل .. ليقنع .. , وكالشرح .. ليوضح ..
فإن لم يستجب لها المرء يتبعها قولٌ آخر فيه معان كثيرة .. فتأتي الشهادتان فيها إقرارٌ بوحدانية الله , وإقرارٌ برسالة المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) ..
وكأنها تقول : يا فلان ألم تشهد بذلك ؟ .. أتذكر العهد الذي قطعته على نفسك أول أمرك ..؟ ألست مسلما .. ؟
ويظل النداء في تسلسله من شديد لأخف , ومن مجمل لمفصل .. فيأتي الحث على الصلاة باسمها ولفظها .. فبها مع الحث والدعاء أمرٌ لطيف يقول "صِل ربك يصلك" .. "هي الصلاة دربك إليه عز وجل" ..
وبعد إيضاح الدرب السليم والسمت القويم .. كان من الداعي التعقيب بأن هذا الدربَ هو دربُ الفلاح ..
ثم ينتهي الأذان من حيث بدأ .. فكأنما هو دائرة تدار , وفي ذلك كأنما يقول " إذا سمعته مرة فأدره في ذهنك مراتٍ ومرات .. "
يقول المؤذن "الله أكبر .. الله أكبر" ... "لا إله إلا الله" .... فكأنما هو يُعيدُ عليك ملخص ما سبق في إيجاز وقصر ليدير في ذهنك ما سبق من معانٍ وأفكار ..
ويأتي بنصف الشهادة .. أما النصفُ الآخر .. فهو منطويٌ فيها .. خارجٌ منها .. فمنبثٌ في ذهن المرء وقلبه .. فدائرٌ فيهما دوراتٍ كثيرة .. لا تدعُه حتى يستجيب .. إن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد ..
وهكذا يظل المسلم دائما مستجيباً لدعوة ربه .. ملبياً لندائه .. حتى ينادي المنادي من مكان قريب ..
_________________
إذا كانت النفس تسهو فتنام , أو تشرد فتضل ؛ فلابد لها من منبهٍ لا ينفك يوقظها إذا نامت , ويصيح فيها إذا ضلت ..
ولما كانت طبيعة النفس إلى الزيغ أميلَ منها إلى الثبات .. , وإلى العوج أقربَ منها إلى الاستقامة .. , ثم هي في ذلك كله دائبة عليه حتى صار ذلك من سجيتها , وأضحى من سماتها ؛ كان الشرط في هذا المنبه أن يكونَ من الديمومة والتكرار بحيث لا ينقطع فيُغفل عنه .. , ومن التجدد بحيث لا يُمل منه فينتفي أثره .. , ومن الحكمة والسداد بحيث يقع في القلوب فيصيبها ولا يحيد عنها .. فيبقى له أثره ..
ومن عظمة الإسلام أنه جعل لكل عبادةٍ نداءَها الخاص ها .. الذي ينبه القلوب الساهية فتلتفت , ثم يظل بها يجذبها ويشدها حتى تنفتل في روح العبادة ..
فقبل كل عبادة نداءٌ نسمعه في أذان الصلاة .. , ويصرخ بنا في رمضان قائلا "يا باغي الخير أقبل" .. , ويظل يقرع آذاننا آمرا بالإنفاق وإخراج الزكاة قائلا "وأنفقوا".. , ثم يصرعنا بقوته وشدته فلا يسعنا إلا أن نلبي صائحين " لبيك اللهم لبيك " ...
فقبل كل عبادة نداؤها يمهد لها ويحث عليها , ونرى في كل نداءٍ شروطه الثلاثة التي أسلفنا ذكرها .. خافية كانت أو بادية ..
ولنداء الصلاة سحره الخاص لما لها من شأنٌ عظيم .. فهي التي يمتاز بها المسلم عن غيره ..
ففي كل يوم يطالعنا المؤذن خمسَ مراتٍ تشمل اليوم كله في تفاوتٍ فيما بينها تتناسب وظروف كل جزءٍ من اليوم ..
فتظل النفس دائما في استجابة لنداء .. ؛ فهي إما خارجة من طاعة , أو متأهبة لأخرى ..
وقد أتى الأذان في صيغته وتركيبه في أبدعَ ما يكون نداءٌ لطاعة , وأقوى ما يكون حثٌ على خير , وأحكمَ ما يكون خطابٌ لنفس ..
فيبتدئ الأذان بكلمة الأزل "الله أكبر" .. فكأنها ناطقة لكل ذي قلب : أتدري لماذا النداء ؟ .. لأن الله أكبر ..
تأتي تنبيها وتذكيرا بتفاهة الدنيا إذا قورنت بعظمة الله وجلاله ..
ولم تكن الكلمة صلبة تنطوي على معنىً واحد دون غيره .. بل أتى فيها التجددُ والتنوع , فلها في كل صلاةٍ معنىً جديد .. , فإن كنتَ في لهو فالله أكبرُ من لهوك .. , وإن كنت في جدٍ فالله أكبر من جدك .. , وإن كنت في بيع فالله أكبر من بيعك ..
أي أن الله أكبر مما أنت فيه مهما كان أمره , ومهما بلغ شأنه ..
والكلمة في مجملها قليلة الأحرف .. فهي كالصيحة .. لتنبه .. , وكالدعوة .. لتجاب .. , وكالطرقة .. لتفيق ...
وكثيرة المعاني .. فهي كالحكمة .. لتخاطب .. , وكالجدل .. ليقنع .. , وكالشرح .. ليوضح ..
فإن لم يستجب لها المرء يتبعها قولٌ آخر فيه معان كثيرة .. فتأتي الشهادتان فيها إقرارٌ بوحدانية الله , وإقرارٌ برسالة المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) ..
وكأنها تقول : يا فلان ألم تشهد بذلك ؟ .. أتذكر العهد الذي قطعته على نفسك أول أمرك ..؟ ألست مسلما .. ؟
ويظل النداء في تسلسله من شديد لأخف , ومن مجمل لمفصل .. فيأتي الحث على الصلاة باسمها ولفظها .. فبها مع الحث والدعاء أمرٌ لطيف يقول "صِل ربك يصلك" .. "هي الصلاة دربك إليه عز وجل" ..
وبعد إيضاح الدرب السليم والسمت القويم .. كان من الداعي التعقيب بأن هذا الدربَ هو دربُ الفلاح ..
ثم ينتهي الأذان من حيث بدأ .. فكأنما هو دائرة تدار , وفي ذلك كأنما يقول " إذا سمعته مرة فأدره في ذهنك مراتٍ ومرات .. "
يقول المؤذن "الله أكبر .. الله أكبر" ... "لا إله إلا الله" .... فكأنما هو يُعيدُ عليك ملخص ما سبق في إيجاز وقصر ليدير في ذهنك ما سبق من معانٍ وأفكار ..
ويأتي بنصف الشهادة .. أما النصفُ الآخر .. فهو منطويٌ فيها .. خارجٌ منها .. فمنبثٌ في ذهن المرء وقلبه .. فدائرٌ فيهما دوراتٍ كثيرة .. لا تدعُه حتى يستجيب .. إن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد ..
وهكذا يظل المسلم دائما مستجيباً لدعوة ربه .. ملبياً لندائه .. حتى ينادي المنادي من مكان قريب ..
_________________