نظرة عتاب
روحان حللنا بدنا كم أبكاني هذا العنوان فضلا عن القصة التي أتت خلفه تحكي تفاصيل جعلت روحي تئن بنغزات الندم حيث لا ينفع الندم.. هذان روحان طيبان لزوجين مخلصين عاشا حياتهما في سلام, وشتان بينهما وبين روح تدب في جوانحي وروح فارقتني بالموت منذ سنوات.
سيدي آلمتني قصة صاحب رسالة الأسبوع الماضي أكثر مما تتخيل, ولن يكفر عنك إيلامي بهذا الشكل إلا أن تستمع إلي وتتركني أهذي بجرح فتحته وتركته ينزف حنينا وشوقا وندما واستغفارا.
أتذكر عندما كنت شابا وأنا الآن علي مشارف الكهولة بعمر تجاوز الثانية والستين ببضعة شهور.. لم يكن يهمني علي الأرض سواي.. مركز الكون هو أنا.. الشاب الوسيم الثري المتعلم البشوش. المتكلم بحساب, صائد إعجاب الفتيات بنظرات قليلة.. باختصار كنت جان كما يقولون, أصر أبي علي أن استكمل تعليمي العالي في جامعة أوروبية لأعود بعد سنوات متمكنا من فن الإدارة فأدير شركته معه ثم أتولي أمرها بعد رحيله, وكنت سعيدا غاية السعادة وأنا أري كل شيء متاحا لي, حتي درجتي الماجستير والدكتوراه نلتهما بالمراسلة بفضل نظام دراسي يسير.
عدت إلي مصر والأبواب مازالت مفتوحة في استقبالي.. طبقت أحدث نظم الإدارة بالشركة, غيرت الحال التقليدية ودفعت بها إلي طريق المكاسب السريعة.
لم يكن ينقصني سوي تكوين الأسرة, واحترت ساعتها كثيرا من هذه التي تستحقني؟ هكذا ببساطة بعد أن أبكيت فتيات وسيدات لتنال إحداهن رضائي وأقضي معها ولو يوما.. لكنها سنة الحياة والعمر يتقدم ولابد من الزواج والأولاد والاستقرار.
استقر الأمر علي فتاة جميلة من عائلة محترمة كان أبي يتعامل مع شركة أبيها تعاملات محدودة, لكنه كان يحترم هذا الشخص جدا.. تدخل أولاد الحلال كما يقولون وتم التعارف سريعا, كنت مازلت أملك أدوات سحرية من حديث وبشاشة ووسامة, وكانت مثل طفلة لم تخرج من بيتها إلي عالم الرجال فانجذبت إلي انجذاب الفراشة للضوء, واعترف لك الآن ولقرائك بأنني حرقتها.. نعم حرقتها, وحرقت رومانسيتها بعد أن نزعت جناحيها نزعا, منذ الشهر الأول أعلنت لها أن قانوني هو الذي سيسود.. وأني رجل أعمال لا وقت لدي أضيعه في عشاء راقص أو مشاهدة فيلم رومانسي في البيت.. كانت تستقبلني بالشموع فأنهرها علي تلك الرومانسية التافهة, فانزوت واكتأبت منذ الشهر الأول, حرمتها من العمل في شركة أبيها وهي المتعلمة المثقفة الماهرة في تخصصها, المجيدة لثلاث لغات قراءة وكتابة.. وقبلت المسكينة وهي تظن أنني صادق معها, وأن وقتي بالكاد يكفي لعملي ومسئوليات الشركة التي أصبحت علي عهدي عدة شركات أرأس إداراتها, وفي الحقيقة كنت أعيش حياتي خارج البيت والعمل كما أريد, أقضي أحلي الأوقات في مصر وفي خارجها, مع هذه ومع تلك وفي الوقت نفسه أدير عملي بمهارة أحسد
عليها. كنت أظن أنني ماهر أيضا في إخفاء نزواتي, لكني اكتشفت فيما بعد انها كأي امرأة لديها قلوب استشعار, أوردة لاقطة لتغير دمي في مكان آخر.. أدرك ذلك الآن وأنا أتذكر نظرات عتابها عندما كنت أقول لها سفرية المرة دي كانت متعبة جدا أو الشغل لا يرحم معلش سنضطر لتأجيل سفريتنا السنوية كانت ترسل لي موجات عتاب عبر أثير حبها لي, لكني لم أكن التقطها, كنت منهمكا في حياتي التي لم أر غيرها حتي بعدما رزقنا الله بطفلة بعد طفلة.. وامتلأ البيت بالضحك والشقاوة والسعادة.
كنت لا أري إلا نفسي, ألتمس السعادة بعيدا عن بيتي وعن زوجتي الجميلة وطفلتي اللتين أبدع الله في تصويرهما.
هل أدهشك إذا قلت لك إني مللت من الحياة مع زوجتي الرائعة تلك.. هل أدهشك إذا قلت إني كنت أعود لبيتي بعدما أنال كل ما أبتغيه خارجه, ومع ذلك أتمني ألا أجدها بانتظاري تسألني هل تعشيت أم أحضر لك العشاء. كانت ترتدي أحلي الثياب وتضع زينتها كاملة في كل ليلة في انتظار عودتي.. تقاوم النعاس وتتظاهر بأنها غير متعبة وجاهزة تماما لإشارتي فضلا عن خدمتي, هل أصدمك إذا قلت لك إنني مللت من تفانيها في خدمتي من جمالها الهادئ ومن رقتها, كنت أتمني لو أعيش مع أي امرأة غيرها تضخ في حياتي دماء جديدة.. لقد تصورت أن أي امرأة سيكون لها طعم مختلف وستجذبني للبيت وسأعيش معها حياة جديدة.. لقد وصل بي الأمر إلي أن تمنيت لو أنها ماتت واختفت من حياتي لأتزوج بتلك الـ أي امرأة تخيل.. أنا.. أتمني موت الفراشة التي جذبتها ونزعت جناحيها وحرقت إحساسها بكونها امرأة تسعد رجلا أنانيا مثلي.. الدموع تسقط الآن وتبلل رسالتي ومع ذلك مازلت قادرا علي أن أواصل وجعي وبثه عبر نافذة بريدك!.
منذ سبع سنوات يا سيدي تحققت أمنيتي الملعونة.. فاجأت أزمة قلبية جسد زوجتي وحررتها مني ومن عالمي القذر, رحلت فجأة وكأنها تقول: افعل ما شئت سأعفيك من نظرة العتاب التي كانت تستوقفك.. سأعفيك من الملل وأنا في انتظار مقدمك بثيابي القصيرة في عز البرد ومكياجي الدقيق في عز الإرهاق.. ماتت ولم يمت جلدي السميك, لم يتلاش.. بدأت وفور انتهاء العزاء في التخطيط لحياة أخري مع امرأة أخري فقد كنت مهيأ لهذا الوضع, لم ألتفت إلي ابنتي اللتين تخرجتا في الجامعة المرموقة وبدأتا رحلة التعليم العالي وتخير العريس الأنسب لكل منهما..
قلت لهما في حسم.. الحياة يجب أن تستمر وأنتما مصيركما لبيتي زوجيكما.. والعمل لا يرحم كما تعرفان ولابد من زوجة تعينني علي الحياة وتحمل صعابها.
باختصار تزوجت فتاة تعيد إلي شبابي.. فتاة تستحقني.. فتاة تعرف كيف تجذبني دائما إليها.. تزوجت من أكبر مقلب شربته في حياتي من سكرتيرة سابقة تخرجت في جامعة الغش والتدليس والمكر والخداع, هي الوحيدة التي شدتني بقوامها وضحكتها ووجهها الحيواني المتوحش ونظرتها الكاسرة لغروري.
تزوجتها وهي أكبر من ابنتي الكبري بسنوات معدودة وسلمتها مفاتيحي فحبستني داخلي.. أذاقتني الهوان وانتصرت لبني جنسها مني.. كنت أعود متلهفا إليها فإذا بها عند صديقاتها في ديفيليه, انتظرها لنتعشي سويا فتقول انها تعشت وأني مملل جدا بأسئلتي المتلاحقة, أين كانت ومع من ولماذا؟ وليت الأمر اقتصر علي ذلك بل استنزفتني في شراء كل ما يحلو لها.. شاليه هنا وشقة هناك وسيارة وأخري وحلي وحتي السندات والأوراق المالية سحبتها شيئا فشيئا بدعوي تأمين مستقبلها, وعندما قررت أن استجمع شجاعتي وعنفوان شبابي الذي مضي وأواجهها كشرت عن أنيابها وآذتني في سمعتي أمام موظفي شركاتي بل تمادت وشوهت سمعة ابنتي البريئتين.
لم يكن أمامي سوي أن أطلقها وأعطيها كل حقوقها في سكوت وأعود إلي بيتي القديم منكسرا, منجذبا إلي بقايا رماد الفراشة التي أحرقتها بيدي, أعفر به رأسي وأمرغ فيه وجهي لعل الفراشة تسامحني وتقبل ندمي ودموعي عليها وعلي ليلة واحدة من الليالي التي كانت تنتظرني فيها مشرقة مضيئة متوهجة بينما عيناي منطفئة لا تري.
سيدي قلبت علي المواجع برسالتك الأسبوع الماضي وكم أحسدك يا صاحب الرسالة وأحسد كل من صفي لرفيق عمره ورآه بعين الحب والرفق.. لقد فقدت احترامي أمام نفسي وأمام ابنتي, وصرت عازفا عن الدنيا أصلي وأبكي وأدعو لها بالرحمة ولي بالمغفرة.