ابي يا حبيبي يا كنزي الثمين يا من كنت لي النور وسط ظلمة هذي الحياة
حبك كان دائما اغلي ممتلكاتي في هذا الوجود و انت اغلي عندي من هذي الساعات الثمينة القليلة المتبقية من حياتي لذلك اردت ان اكتب لك من فترة .عن بعض ما يموج بصدري وان استرجع معك رحلة دامت خمس سنوات من الالم والحب والامل الضعيف في غد قد يكون افضل من امسه و لكني كنت اخاف ان اقتل اخر ذرة امل لديك في شفائي ولكن الان و لم يعد لدي في هذة الدنيا سوي هذة الساعات كان علي ان اكتب لك .
ايضا لاني احسست اني ربما مدين لك بهذة الرسالة رغم اني اكافح لامسك بالقلم واكافح اكثر لاتنفس
لا اريد ان تلوم نفسك علي اي شئ لانك فعلت كل ما تستطيع واكثر مما تستطيع محاولا انقاذي ولم تكن ابدا مقصرا فلا تستسلم للحزن لانك كنت طوال فترة عمري القصير السبب الوحيد في سعادتي
يا ابي و حبيبي و مرشدي لم اكن اتصور اني ساكون يوما الخنجر الذي يطعن قلبك لم اكن اظن اني ساكون السبب في حزنك ولوعتك ربما لو كان موتي جاء مفاجئة لكان ذلك ارحم لك ولي و لكان ذلك اهون علي من رؤية الدموع المتحجرة في عينيك وسماع تنهداتك المحترقة بالحزن
ابي و حبيبي الذي احبه اكثر من نفسي . منذ وعيت علي الدنيا كنت الاب والصديق والاخ كنت لي كل شيء برغم انك كنت كثير الاسفار و ذلك لان طبيعة عملك فرضت عليك هذاولكنك مع ذلك لم تبخل علي يوما لا برعايتك ولا بعطفك لذلك اقسمت لنفسي اني لن اكون يوما سببا في حزنك وان اجعلك دائما فخورا بي فكان اول ما فعلته هو اني تخليت عن صداقة الكثيرين الذين احسست ولو مجرد احساس انك لا تستريح لهم او لسلوكهم مع انك لم تطلب مني ذلك ابدا لانك عودتني ان اكون حرا في اختياراتي و لكن لانك اعطيتني مساحة كبيرة من الثقة حاولت جاهدا الا اخونها
كذلك عندما وصلت لنهاية المرحلة الثانويةوضعت نصب عيني هدفا وهو ان اتفوق و اكون طبيبا ماهرا لاجعلك تفخر بي مع انك كنت دائما فخورا وسعيدا بي لا لشئ خاص ولكن لاني فقط ابنك ولانه الحب الابوي اللامتناهي الذي يفيض من قلبك .
اذكر انك كنت دائما تضحك و تقول هذا الشبل من ذاك الاسد ليس فقط لاني ورثت عينيك الزرقاوين ولا لاني اشبهك في الملامح التي تكاد تكون اوروبية ولكن لانك كثيرا ما كنت تري اعجاب الفتيات بي والتفافهن حولي
وحرصهن الدائم علي الفوز بصداقتي ولكني في كل ذلك يا ابي كنت افتخر فقط باني احمل اسمك وبعض ملامحك و انت الشاعر الكبير والكاتب العظيم مع اني ربما لم ارث منك هذة الموهبة ولكني احاول بقدر طاقتي الان ان اوصل اليك رسالتي وانا اعرف ان معانيها ستصل الي قلبك رغم بساطة كلماتها لانها ببساطة نابعة من قلبي
اتذكر يا ابي يوم زرتك انا واختي في بيتك ببيروت بعد امتحانات الشهادة الثانوية اردت يومها ان اتمشي انا وانت علي الشاطئ و اردت انت ان تجلس علي الرمال وان تتمتع بمنظر الافق حيث يعانق البحر السماء اما انا فقد قرررت ان انتهز الفرصة واسبح قليلا ولكن بعد عدة دقائق رفع قلبي اول راية للعصيان احسست بضرباته تتسارع وبالم رهيب في صدري كان سكينا مغروسا بين ضلوعي جررت نفسي للشاطئ حيث كنت تجلس و حاولت جاهدا ان اخفي عنك ما اشعر به اردت ان اهرب من نظراتك القلقة التي حاصرتني ولكنك اسرعت الي وسالتني بلهفة ما بك ؟ هل تشعر بشئ ؟ و ابتسمت انا ابتسامة باهتة وقلت لك اطمئن يا ابي انا بخير ولكني فقط بذلت مجهودا كبيرا في السباحة .
احسست يومها ان هناك علة بقلبي ولكني لم اريد ان ابوح لك بشكوكي او ان ادعك فريسة للقلق كنت اخشي عليك من اي خبر قد تسمعه يوما و يحزنك
وجاء يوم ظهرت النتيجة ونجحت بتفوق ساعتها رايت لألئ صغيرة تتساقط من عينيك كانت تلك دموع الفرح احتضنتني وبكيت وبكيت انا ايضا من فرط تأثري وشعرت بفخر شديد وفرح عميق يغمرني لاني التزمت بقسمي وجعلتك فخورا بي كانت تلك اول مرة اراك تبتسم فيها منذ وقتا طويلا لااعرف مدته
يومها قلت لي انك مستعد لتلبية اي طلب اطلبه منك وكان طلبي هو ان تكون لي سيارة خاصة بي وكنت تعرف ان هذة رغبتي منذ زمن ووافقت علي تلبية طلبي بعد ان اخذت مني وعدا ان اقودها بحرص شديد وقلت لي انك لا تحتمل ان يصيبني اي شئ لا اعرف لماذا اخافتني هذة الكلمات وقتها وهي التي تشتعل في عقلي الان و تكاد تحرقني عندما افكر كيف ستستطيع مواجهة موتي وحدك .
بعد ان خرجنا في جولة بالسيارة الجديدة واطمئنيت علي اجادتي التامة للقيادة عدنا للبيت. يومها عاودني ذلك الالم وكان يتزايد وانا احاول ان اخفي ما اشعر به ولكن دون جدوي وعندما دخلنا العمارة ولسوء حظي وجدت المصعد معطل وللوقت ابتسمت انت عندما وجدت الضيق باديا علي وقلت ساخرا انها فقط ثلاث طوابق ام انك اصبحت عجوزا لا تقوي علي صعود السلم جاوبت ابتسامتك بابتسامة قلقة وصعدت معك ولكن مع كل درجة كان تنفسي ينقطع والعرق البارد يتساقط من وجهي وفي الطابق الثاني وجدت ولدهشتي ان كل شيء يدور من حولي بسرعة رهيبة وكاني اقف في مركز اعصار مدمر وسمعت فقط صوتك الملتاع يصرخ باسمي واحسست فجاة باني اهوي من برج عالي وسقطت علي الارض ولم ادري الا بذراعيك تحتضنني واقسم ساعتها باني سمعت دقات قلبك المتسارعة وبعدها لم اري او اسمع شيئا واكتنفتني ظلمة رهيبة
افقت بعدها علي شيئا حادا ينغرز في وريدي فتحت عيني ورغم ان رؤيتي كانت في البداية ضبابية غير واضحة الا اني ادركت بسرعة اني كنت في المستشفي
وكنت انت خارج الغرفة لتسال الطبيب عن تفاصيل حالتي وعندما دخلت الغرفة وتلاقت عينينا عرفت كل شيء.. عينك الشفافة اخبرتني بكل شئ وفمك الذي تعود ان يقول اعذب الكلمات خانك في ذلك اليوم ولم يستطع الكذب اردت ان تطمئنني وقلت لي انه مجرد ارهاق ومجهود زائد علي القلب
ولكني عرفت كل شئ
تلك الليلة اردت ان تقضيها معي بالمستشفي و لكني اشفقت عليك وطلبت منك المبيت في المنزل وامام اصراري وافقت علي الرحيل . الحقيقةانه في تلك الليلة لم يغمض لي جفن وسمعت الممرضات يتهامسن يا له من شاب جميل خسارة في الموت .
انتظرت حتي الصباح بفارغ الصبر وطلبت من الطبيب عندما اتي لمعاينتي ان يصارحني بكل شئ وقلت له برغم ان عمري لا يتعدي الثامنة عشر الا اني لا اخشي الموت واريد ان اعرف تفاصيل حالتي بكل صدق . ساعتها اخبرني الطبيب باني مصاب بتضخم في القلب اي ان حجمه اكبر من الحجم الطبيعي و مع الوقت ومع ازدياد التضخم يعجز القلب عن ضخ الدم وهذا بالتالي يؤثرعلي التنفس
نظرت الي الطبيب وقلت له اعتبرني ابنك و اخبرني الحقيقة كم تبقي لي من العمر حاول الطبيب ان يهرب بلباقة من الاجابة ولكني لم ادعه فقال لي القلب في هذة الحالة يصعب التنبؤ بادائه فقد تموت غدا او بعد سنة لا شيء مؤكد في هذة الحالة ولكن في اقصي الحالات لا تزيد المدة عن ثلاث سنوات وذلك بالالتزام بالعلاج والراحة التامة ولكن في النهاية ستزداد صعوبة التنفس وتمتليء الرئة بالسوائل فيشعر المريض كما لو كان يغرق حتي يتوقف تنفسه تدريجيا ويموت
اه يا ابي علمت الان كم كنت تتالم وكم فعلت المستحيل لتخفي عني ما علمت به وقررت انا ايضا ان اكمل التمثيلية و ان اخفي عنك ما علمته وعندما عدنا للبيت قرات في عينيك الخوف والياس الرهيب الذي كنت تعانيه وكنت دائما تمنعني بلطف من ان افعل اي مجهود حتي عمل فنجان القهوة الصباحي الذي كنت تشربه من يدي متصورا انك بذلك تكسب وقتا ثمينا تضيفه لعمري القصير
مر شهرا كئيبا بطيئا نحاول كلانا ان نخفي حزننا ودموعنا ولكنك لم تكن ابدا بارعا في ذلك وفي الليل عندما كنت امر بالقرب من غرفتك كنت اسمع تنهدك و زفراتك واحيانا كنت اسمع صوت بكاءك بانين مكتوم وكنت اشعر دائما باني خذلتك وقضيت بغير ارادتي علي كل احلامك وامالك الخاصة بي
كان قراري بالسفر للقاهرة لاكمل دراستي في كلية الطب بها صدمة شديدة لك وحاولت بشتي الطرق ان تثنيني عن عزمي فلم تفلح. ولكن لانك كنت دائما ابا ديموقراطيا وافقت في النهاية. لم اكن اقوي علي تحمل لوعتك وحزنك عليً لم اريد ان ادعك تراني وانا اموت ببطا
سافرت مزودا بنصائحك ودموعك و توسلاتك لي لاهتم بصحتي وباوامر الاطباء
وضعت نصب عيني هدفا وهو ان اتحدي الموت حتي اخر لحظة واتحدي تلك المهلة التي اعطوني اياها. وقد نجحت وتخطيت تلك الثلاث سنوات بسنتين
طوال هذة الخمس سنوات حرمت نفسي من ابسط متع الدنيا حتي لا اجهد هذا القلب الضعيف لم اكن اعرف سوي الطريق من والي الكلية الا في بعض الاحيان كنت استجيب لضغط الاصدقاء فكنت اذهب معهم لنادي الجزيرة فتذكرني الحدائق والزهور بجنة السماء واحيانا قليلة كنت امتع نفسي بمنظر النيل العظيم الذي كنت دائما تتغني به في اشعارك ولكني كنت دائما اعود بسرعة لغرفتي لادرس فاغرق بين ضفاف كتب الطب و مصطلحاته وفي اوقات الفراغ كنت اهرب من الملل والتفكير في الموت الي الرسم وعندما كنت اشتاق اليك كنت اقرا كتبك ودواوينك فتعزيني في وحدتني وغربتي وتزرع الغرفة الكئيبة بالنور والضياء ويرتاح صدري عندما اشتم رائحة ياسمين الشام تفوح من ابيات اشعارك
كنت افرح لتفوقي ونجاحي لاني اعرف انه ابسط تعويض عن الحزن الذي تسببت لك فيه بغير ارادتي
ولكن قلبي خذلني ولم يعد يقوي علي اداء وظائفه.
بعد دراستي اكثر من خمس سنوات في الطب عرفت الكثير عن حالتي وبحاسة الطبيب عرفت اني اقتربت من النهاية وفاجئتني الازمات واحدة تلو الاخري ونقلت اكثر من مرة للمستشفي واصبحت قاب قوسين او ادني من الموت اردت الا اخبرك بهذا او ان اذهب اليك لاني لم اكن اتحمل ان اري هذا الحزن الصامت الرهيب في عينيك
ولكني اشتقت اليك كثيرا كنت متعطشا لحنانك اردت ان ارتمي في حضنك وان القي بين ذراعيك بخوفي وحزني فتحملهما عني اعترف اني كنت انانيا ولم افكر فيك ولم افكر كيف ستظل ذكري هذة الايام القليلة محفورة في ذاكرتك لتشعل احزانك كلما انطفات .
عندما قابلتك في المطار عرفت عندما رايتني كل شئ وبكيت في حضنك وغسلت كل احزاني بين كتفيك اه يا ابي كم كنت محتاجا ان ادفن راسي بين تلك الاحضان
ووقتها رفضت ان تستسلم للياس و كنت تجري بين عيادات الاطباء والمستشفيات تبحث عن بصيص من الامل تبحث عن علاج جديد واخيرا اراد احد الاطباء عندما راي لوعتك ان يخفف عنك و اشار عليك بان تسافر بي الي لندن ربما يكون هناك علاج جراحي جديد لحالتي
خفت عليك كثيرا ولم اريد ان احطم امالك واشفقت عليك ايضا من مواجهة هذا الموقف وحدك وانت ببلاد بعيدة ولكني لم اعرف ماذا افعل سوي الاستجابة لطلبك ومشاركتك هذا الامل الضعيف
كنت ابذل مجهودا خارقا لمجرد التنفس و كنت اشعر كما لو اني اصعد جبل عال جدا وعلي ظهري حمل ثقيل
كان تنفسي متقطعا وكنت اهرب من نظراتك المشفقة علي و انا اعرف انك كنت تتالم اكثر مني
وسافرنا........
وهناك لم يكن الطبيب ارحم من الموقف و اخبرنا بان العملية الجراحية هي تقنية جديدة مازالت في طور التجربة ومع النظر لحالة القلب المتاخرة فانه يعتقد ان نسبة نجاحها لا تتعدي العشرة في المئة نسبة ضعيفة جدا و لكن لم يكن لدي ما اخسره لاني علي حد قوله ميت في كل الحالات وان لم امت خلال العملية ساموت خلال ايام لان القلب لم يعد قادرا علي العمل بكفاءة كان هذا اكثر مما تحتمل يا ابي وتركتني بعدما اوصلتني لغرفتي ولكني قلقت عليك فخرجت من غرفتي وتبعتك فوجدتك في الردهة و قد دفنت راسك بين يديك واجهشت بالبكاء بصوت مسموع .
عدت الي غرفتي وانا احارب كي لا اقع من فرط الاعياء والالم ذهبت لسريري ودفنت راسي في الوسادة وبكيت كما لم ابكي في حياتي وعندما عدت انت للغرفة اردتك ان تعتقد باني نائم حتي لا تبحث عن تفسير تفسر به احمرار عينيك وتغير صوتك من البكاء وانت الذي كنت تحاول ان تزرع في قلبي اشجارا من الامل
ابي لم اقصد ان اذكرك بكل هذا لابكيك او لازيد حزنك فانا اتمني ان اموت الف مرة ولا اري تلك الدموع في عينيك ولكني كتبت لك هذا لاعرفك اني مستعد للموت ولست خائفا منه الان لاني كنت استعد لهذا اليوم طوال خمس سنوات بل ربما اجد في الموت الراحة من كل تلك الالام
كتبت لك ايضا لاعرفك انك كنت لي السند والصديق خلال رحلة مرضي .
وطوال عمري
ابي اردت ايضا ان اعتذر لك عن اشياء كثيرة
اعتذر لك لانك لن تراني يوما طبيبا كما كنت تتمني
اعتذر لك لانك لن تشتري لي الشقة التي ساتزوج فيها كما كنت تخطط
اعتذر لك لانك لن تري يوم عرسي وانا اتأبط ذراع عروسي الجميلة
اعتذر لك لاني لن اكون ابا لاحفادك
اعتذر لك لاني في النهاية مضطر ان استسلم للموت الذي سحق كل احلامك
ولكني ايضا اشكرك لانك معي في هذة اللحظات العصيبة
واشكرك لانك لم تتركني اواجه الموت وحدي
اشكرك لانك طوال سنوات عمري التي قاربت الثلاثة وعشرين لم تمنحني يوما سوي السعادة والحنان
اشكرك لانك كنت ابي و مرشدي و ملاكي الحارس
اه يا ابي لقد اشرق الصبح الان . كم اصبح صوت البلابل والعصافير جميلا وانا اعرف اني اسمعه لاخر مرة
ابي اذا نجحت هذة الجراحة سنمزق هذة الرسالة غدا معا ونفرح ونغسل بدموع الفرح احزاننا اما اذا لم تنجح ووجدت المقعد الذي بجانبك في الطائرة خاليا فاقرا الرسالة هناك واعلم اني ساعتها لن اكون مجرد جثمان قابع في صندوق في قاع الطائرة ولكني ساكون روحا هائمة بجانبك لن اتركك لحظة ساكون خالدا في قلبك
وعدني انك لن تتوقف عن الكتابة والابداع عدني انك ستكتب لي قصيدة لي وحدي واعلم انك بذلك سوف تجعلني خالدا مثل بقية قصائدك الخالدات
هذة وصيتي وهذا رجائي وانا اعلم اني ساسلم ليد القدر خلال ساعات
عدني يا ابي ان تلقاني ولكن ليس قريبا لاني ساكون بانتظارك هناك
حبك كان دائما اغلي ممتلكاتي في هذا الوجود و انت اغلي عندي من هذي الساعات الثمينة القليلة المتبقية من حياتي لذلك اردت ان اكتب لك من فترة .عن بعض ما يموج بصدري وان استرجع معك رحلة دامت خمس سنوات من الالم والحب والامل الضعيف في غد قد يكون افضل من امسه و لكني كنت اخاف ان اقتل اخر ذرة امل لديك في شفائي ولكن الان و لم يعد لدي في هذة الدنيا سوي هذة الساعات كان علي ان اكتب لك .
ايضا لاني احسست اني ربما مدين لك بهذة الرسالة رغم اني اكافح لامسك بالقلم واكافح اكثر لاتنفس
لا اريد ان تلوم نفسك علي اي شئ لانك فعلت كل ما تستطيع واكثر مما تستطيع محاولا انقاذي ولم تكن ابدا مقصرا فلا تستسلم للحزن لانك كنت طوال فترة عمري القصير السبب الوحيد في سعادتي
يا ابي و حبيبي و مرشدي لم اكن اتصور اني ساكون يوما الخنجر الذي يطعن قلبك لم اكن اظن اني ساكون السبب في حزنك ولوعتك ربما لو كان موتي جاء مفاجئة لكان ذلك ارحم لك ولي و لكان ذلك اهون علي من رؤية الدموع المتحجرة في عينيك وسماع تنهداتك المحترقة بالحزن
ابي و حبيبي الذي احبه اكثر من نفسي . منذ وعيت علي الدنيا كنت الاب والصديق والاخ كنت لي كل شيء برغم انك كنت كثير الاسفار و ذلك لان طبيعة عملك فرضت عليك هذاولكنك مع ذلك لم تبخل علي يوما لا برعايتك ولا بعطفك لذلك اقسمت لنفسي اني لن اكون يوما سببا في حزنك وان اجعلك دائما فخورا بي فكان اول ما فعلته هو اني تخليت عن صداقة الكثيرين الذين احسست ولو مجرد احساس انك لا تستريح لهم او لسلوكهم مع انك لم تطلب مني ذلك ابدا لانك عودتني ان اكون حرا في اختياراتي و لكن لانك اعطيتني مساحة كبيرة من الثقة حاولت جاهدا الا اخونها
كذلك عندما وصلت لنهاية المرحلة الثانويةوضعت نصب عيني هدفا وهو ان اتفوق و اكون طبيبا ماهرا لاجعلك تفخر بي مع انك كنت دائما فخورا وسعيدا بي لا لشئ خاص ولكن لاني فقط ابنك ولانه الحب الابوي اللامتناهي الذي يفيض من قلبك .
اذكر انك كنت دائما تضحك و تقول هذا الشبل من ذاك الاسد ليس فقط لاني ورثت عينيك الزرقاوين ولا لاني اشبهك في الملامح التي تكاد تكون اوروبية ولكن لانك كثيرا ما كنت تري اعجاب الفتيات بي والتفافهن حولي
وحرصهن الدائم علي الفوز بصداقتي ولكني في كل ذلك يا ابي كنت افتخر فقط باني احمل اسمك وبعض ملامحك و انت الشاعر الكبير والكاتب العظيم مع اني ربما لم ارث منك هذة الموهبة ولكني احاول بقدر طاقتي الان ان اوصل اليك رسالتي وانا اعرف ان معانيها ستصل الي قلبك رغم بساطة كلماتها لانها ببساطة نابعة من قلبي
اتذكر يا ابي يوم زرتك انا واختي في بيتك ببيروت بعد امتحانات الشهادة الثانوية اردت يومها ان اتمشي انا وانت علي الشاطئ و اردت انت ان تجلس علي الرمال وان تتمتع بمنظر الافق حيث يعانق البحر السماء اما انا فقد قرررت ان انتهز الفرصة واسبح قليلا ولكن بعد عدة دقائق رفع قلبي اول راية للعصيان احسست بضرباته تتسارع وبالم رهيب في صدري كان سكينا مغروسا بين ضلوعي جررت نفسي للشاطئ حيث كنت تجلس و حاولت جاهدا ان اخفي عنك ما اشعر به اردت ان اهرب من نظراتك القلقة التي حاصرتني ولكنك اسرعت الي وسالتني بلهفة ما بك ؟ هل تشعر بشئ ؟ و ابتسمت انا ابتسامة باهتة وقلت لك اطمئن يا ابي انا بخير ولكني فقط بذلت مجهودا كبيرا في السباحة .
احسست يومها ان هناك علة بقلبي ولكني لم اريد ان ابوح لك بشكوكي او ان ادعك فريسة للقلق كنت اخشي عليك من اي خبر قد تسمعه يوما و يحزنك
وجاء يوم ظهرت النتيجة ونجحت بتفوق ساعتها رايت لألئ صغيرة تتساقط من عينيك كانت تلك دموع الفرح احتضنتني وبكيت وبكيت انا ايضا من فرط تأثري وشعرت بفخر شديد وفرح عميق يغمرني لاني التزمت بقسمي وجعلتك فخورا بي كانت تلك اول مرة اراك تبتسم فيها منذ وقتا طويلا لااعرف مدته
يومها قلت لي انك مستعد لتلبية اي طلب اطلبه منك وكان طلبي هو ان تكون لي سيارة خاصة بي وكنت تعرف ان هذة رغبتي منذ زمن ووافقت علي تلبية طلبي بعد ان اخذت مني وعدا ان اقودها بحرص شديد وقلت لي انك لا تحتمل ان يصيبني اي شئ لا اعرف لماذا اخافتني هذة الكلمات وقتها وهي التي تشتعل في عقلي الان و تكاد تحرقني عندما افكر كيف ستستطيع مواجهة موتي وحدك .
بعد ان خرجنا في جولة بالسيارة الجديدة واطمئنيت علي اجادتي التامة للقيادة عدنا للبيت. يومها عاودني ذلك الالم وكان يتزايد وانا احاول ان اخفي ما اشعر به ولكن دون جدوي وعندما دخلنا العمارة ولسوء حظي وجدت المصعد معطل وللوقت ابتسمت انت عندما وجدت الضيق باديا علي وقلت ساخرا انها فقط ثلاث طوابق ام انك اصبحت عجوزا لا تقوي علي صعود السلم جاوبت ابتسامتك بابتسامة قلقة وصعدت معك ولكن مع كل درجة كان تنفسي ينقطع والعرق البارد يتساقط من وجهي وفي الطابق الثاني وجدت ولدهشتي ان كل شيء يدور من حولي بسرعة رهيبة وكاني اقف في مركز اعصار مدمر وسمعت فقط صوتك الملتاع يصرخ باسمي واحسست فجاة باني اهوي من برج عالي وسقطت علي الارض ولم ادري الا بذراعيك تحتضنني واقسم ساعتها باني سمعت دقات قلبك المتسارعة وبعدها لم اري او اسمع شيئا واكتنفتني ظلمة رهيبة
افقت بعدها علي شيئا حادا ينغرز في وريدي فتحت عيني ورغم ان رؤيتي كانت في البداية ضبابية غير واضحة الا اني ادركت بسرعة اني كنت في المستشفي
وكنت انت خارج الغرفة لتسال الطبيب عن تفاصيل حالتي وعندما دخلت الغرفة وتلاقت عينينا عرفت كل شيء.. عينك الشفافة اخبرتني بكل شئ وفمك الذي تعود ان يقول اعذب الكلمات خانك في ذلك اليوم ولم يستطع الكذب اردت ان تطمئنني وقلت لي انه مجرد ارهاق ومجهود زائد علي القلب
ولكني عرفت كل شئ
تلك الليلة اردت ان تقضيها معي بالمستشفي و لكني اشفقت عليك وطلبت منك المبيت في المنزل وامام اصراري وافقت علي الرحيل . الحقيقةانه في تلك الليلة لم يغمض لي جفن وسمعت الممرضات يتهامسن يا له من شاب جميل خسارة في الموت .
انتظرت حتي الصباح بفارغ الصبر وطلبت من الطبيب عندما اتي لمعاينتي ان يصارحني بكل شئ وقلت له برغم ان عمري لا يتعدي الثامنة عشر الا اني لا اخشي الموت واريد ان اعرف تفاصيل حالتي بكل صدق . ساعتها اخبرني الطبيب باني مصاب بتضخم في القلب اي ان حجمه اكبر من الحجم الطبيعي و مع الوقت ومع ازدياد التضخم يعجز القلب عن ضخ الدم وهذا بالتالي يؤثرعلي التنفس
نظرت الي الطبيب وقلت له اعتبرني ابنك و اخبرني الحقيقة كم تبقي لي من العمر حاول الطبيب ان يهرب بلباقة من الاجابة ولكني لم ادعه فقال لي القلب في هذة الحالة يصعب التنبؤ بادائه فقد تموت غدا او بعد سنة لا شيء مؤكد في هذة الحالة ولكن في اقصي الحالات لا تزيد المدة عن ثلاث سنوات وذلك بالالتزام بالعلاج والراحة التامة ولكن في النهاية ستزداد صعوبة التنفس وتمتليء الرئة بالسوائل فيشعر المريض كما لو كان يغرق حتي يتوقف تنفسه تدريجيا ويموت
اه يا ابي علمت الان كم كنت تتالم وكم فعلت المستحيل لتخفي عني ما علمت به وقررت انا ايضا ان اكمل التمثيلية و ان اخفي عنك ما علمته وعندما عدنا للبيت قرات في عينيك الخوف والياس الرهيب الذي كنت تعانيه وكنت دائما تمنعني بلطف من ان افعل اي مجهود حتي عمل فنجان القهوة الصباحي الذي كنت تشربه من يدي متصورا انك بذلك تكسب وقتا ثمينا تضيفه لعمري القصير
مر شهرا كئيبا بطيئا نحاول كلانا ان نخفي حزننا ودموعنا ولكنك لم تكن ابدا بارعا في ذلك وفي الليل عندما كنت امر بالقرب من غرفتك كنت اسمع تنهدك و زفراتك واحيانا كنت اسمع صوت بكاءك بانين مكتوم وكنت اشعر دائما باني خذلتك وقضيت بغير ارادتي علي كل احلامك وامالك الخاصة بي
كان قراري بالسفر للقاهرة لاكمل دراستي في كلية الطب بها صدمة شديدة لك وحاولت بشتي الطرق ان تثنيني عن عزمي فلم تفلح. ولكن لانك كنت دائما ابا ديموقراطيا وافقت في النهاية. لم اكن اقوي علي تحمل لوعتك وحزنك عليً لم اريد ان ادعك تراني وانا اموت ببطا
سافرت مزودا بنصائحك ودموعك و توسلاتك لي لاهتم بصحتي وباوامر الاطباء
وضعت نصب عيني هدفا وهو ان اتحدي الموت حتي اخر لحظة واتحدي تلك المهلة التي اعطوني اياها. وقد نجحت وتخطيت تلك الثلاث سنوات بسنتين
طوال هذة الخمس سنوات حرمت نفسي من ابسط متع الدنيا حتي لا اجهد هذا القلب الضعيف لم اكن اعرف سوي الطريق من والي الكلية الا في بعض الاحيان كنت استجيب لضغط الاصدقاء فكنت اذهب معهم لنادي الجزيرة فتذكرني الحدائق والزهور بجنة السماء واحيانا قليلة كنت امتع نفسي بمنظر النيل العظيم الذي كنت دائما تتغني به في اشعارك ولكني كنت دائما اعود بسرعة لغرفتي لادرس فاغرق بين ضفاف كتب الطب و مصطلحاته وفي اوقات الفراغ كنت اهرب من الملل والتفكير في الموت الي الرسم وعندما كنت اشتاق اليك كنت اقرا كتبك ودواوينك فتعزيني في وحدتني وغربتي وتزرع الغرفة الكئيبة بالنور والضياء ويرتاح صدري عندما اشتم رائحة ياسمين الشام تفوح من ابيات اشعارك
كنت افرح لتفوقي ونجاحي لاني اعرف انه ابسط تعويض عن الحزن الذي تسببت لك فيه بغير ارادتي
ولكن قلبي خذلني ولم يعد يقوي علي اداء وظائفه.
بعد دراستي اكثر من خمس سنوات في الطب عرفت الكثير عن حالتي وبحاسة الطبيب عرفت اني اقتربت من النهاية وفاجئتني الازمات واحدة تلو الاخري ونقلت اكثر من مرة للمستشفي واصبحت قاب قوسين او ادني من الموت اردت الا اخبرك بهذا او ان اذهب اليك لاني لم اكن اتحمل ان اري هذا الحزن الصامت الرهيب في عينيك
ولكني اشتقت اليك كثيرا كنت متعطشا لحنانك اردت ان ارتمي في حضنك وان القي بين ذراعيك بخوفي وحزني فتحملهما عني اعترف اني كنت انانيا ولم افكر فيك ولم افكر كيف ستظل ذكري هذة الايام القليلة محفورة في ذاكرتك لتشعل احزانك كلما انطفات .
عندما قابلتك في المطار عرفت عندما رايتني كل شئ وبكيت في حضنك وغسلت كل احزاني بين كتفيك اه يا ابي كم كنت محتاجا ان ادفن راسي بين تلك الاحضان
ووقتها رفضت ان تستسلم للياس و كنت تجري بين عيادات الاطباء والمستشفيات تبحث عن بصيص من الامل تبحث عن علاج جديد واخيرا اراد احد الاطباء عندما راي لوعتك ان يخفف عنك و اشار عليك بان تسافر بي الي لندن ربما يكون هناك علاج جراحي جديد لحالتي
خفت عليك كثيرا ولم اريد ان احطم امالك واشفقت عليك ايضا من مواجهة هذا الموقف وحدك وانت ببلاد بعيدة ولكني لم اعرف ماذا افعل سوي الاستجابة لطلبك ومشاركتك هذا الامل الضعيف
كنت ابذل مجهودا خارقا لمجرد التنفس و كنت اشعر كما لو اني اصعد جبل عال جدا وعلي ظهري حمل ثقيل
كان تنفسي متقطعا وكنت اهرب من نظراتك المشفقة علي و انا اعرف انك كنت تتالم اكثر مني
وسافرنا........
وهناك لم يكن الطبيب ارحم من الموقف و اخبرنا بان العملية الجراحية هي تقنية جديدة مازالت في طور التجربة ومع النظر لحالة القلب المتاخرة فانه يعتقد ان نسبة نجاحها لا تتعدي العشرة في المئة نسبة ضعيفة جدا و لكن لم يكن لدي ما اخسره لاني علي حد قوله ميت في كل الحالات وان لم امت خلال العملية ساموت خلال ايام لان القلب لم يعد قادرا علي العمل بكفاءة كان هذا اكثر مما تحتمل يا ابي وتركتني بعدما اوصلتني لغرفتي ولكني قلقت عليك فخرجت من غرفتي وتبعتك فوجدتك في الردهة و قد دفنت راسك بين يديك واجهشت بالبكاء بصوت مسموع .
عدت الي غرفتي وانا احارب كي لا اقع من فرط الاعياء والالم ذهبت لسريري ودفنت راسي في الوسادة وبكيت كما لم ابكي في حياتي وعندما عدت انت للغرفة اردتك ان تعتقد باني نائم حتي لا تبحث عن تفسير تفسر به احمرار عينيك وتغير صوتك من البكاء وانت الذي كنت تحاول ان تزرع في قلبي اشجارا من الامل
ابي لم اقصد ان اذكرك بكل هذا لابكيك او لازيد حزنك فانا اتمني ان اموت الف مرة ولا اري تلك الدموع في عينيك ولكني كتبت لك هذا لاعرفك اني مستعد للموت ولست خائفا منه الان لاني كنت استعد لهذا اليوم طوال خمس سنوات بل ربما اجد في الموت الراحة من كل تلك الالام
كتبت لك ايضا لاعرفك انك كنت لي السند والصديق خلال رحلة مرضي .
وطوال عمري
ابي اردت ايضا ان اعتذر لك عن اشياء كثيرة
اعتذر لك لانك لن تراني يوما طبيبا كما كنت تتمني
اعتذر لك لانك لن تشتري لي الشقة التي ساتزوج فيها كما كنت تخطط
اعتذر لك لانك لن تري يوم عرسي وانا اتأبط ذراع عروسي الجميلة
اعتذر لك لاني لن اكون ابا لاحفادك
اعتذر لك لاني في النهاية مضطر ان استسلم للموت الذي سحق كل احلامك
ولكني ايضا اشكرك لانك معي في هذة اللحظات العصيبة
واشكرك لانك لم تتركني اواجه الموت وحدي
اشكرك لانك طوال سنوات عمري التي قاربت الثلاثة وعشرين لم تمنحني يوما سوي السعادة والحنان
اشكرك لانك كنت ابي و مرشدي و ملاكي الحارس
اه يا ابي لقد اشرق الصبح الان . كم اصبح صوت البلابل والعصافير جميلا وانا اعرف اني اسمعه لاخر مرة
ابي اذا نجحت هذة الجراحة سنمزق هذة الرسالة غدا معا ونفرح ونغسل بدموع الفرح احزاننا اما اذا لم تنجح ووجدت المقعد الذي بجانبك في الطائرة خاليا فاقرا الرسالة هناك واعلم اني ساعتها لن اكون مجرد جثمان قابع في صندوق في قاع الطائرة ولكني ساكون روحا هائمة بجانبك لن اتركك لحظة ساكون خالدا في قلبك
وعدني انك لن تتوقف عن الكتابة والابداع عدني انك ستكتب لي قصيدة لي وحدي واعلم انك بذلك سوف تجعلني خالدا مثل بقية قصائدك الخالدات
هذة وصيتي وهذا رجائي وانا اعلم اني ساسلم ليد القدر خلال ساعات
عدني يا ابي ان تلقاني ولكن ليس قريبا لاني ساكون بانتظارك هناك