اليهود يبحثون عن عصرهم الذهبى فى مصر
في يونيو 2006م حاول يهود من أصول مصرية عقد مؤتمر لهم في مصر بغرض تدشين حملة للضغط عليها للمطالبة بتعويضات رسمية عما يزعمون أنها ممتلكات لهم تركوها وراءهم في مصر؛ بيد أن القاهرة أبلغتهم بشكل غير مباشر أن المؤتمر غير مرحب به في مصر؛ فعقدوا مؤتمرهم في مدينة "حيفا" بفلسطين.. وفي مايو من هذا العام عاودوا الحيلة نفسها، وأعلنوا عن مؤتمر بالقاهرة يحضره يهود من أوروبا، وأمريكا ومن الكيان الصهيوني تحت شعار (العصر الذهبي لليهود في مصر) ترعاه "جمعية الصداقة المصرية الإسرائيلية" (مقرها تل أبيب) و"المركز الأكاديمي الإسرائيلي" بالقاهرة، في الفترة من 25 إلى 29 مايو.
وكي يضمنوا الضغط على مصر قالوا إن الحاضرين للمؤتمر سيكونون سُياحاً يهوداً وغير يهود من أمريكا وأوروبا، وإنهم حجزوا بالفعل مئات الغرف في أشهر الفنادق المصرية، وأعلنوا عن برنامج الرحلة عبر ما يسمي "جمعية الصداقة المصرية الإسرائيلية" وقالوا إنه سيحضره دبلوماسيون إسرائيليون.
بيد أن مصر تعاملت معهم بنفس المنطق، وهو التجاهل والرفض غير الرسمي، خصوصاً أن عقد مؤتمر "حيفا" عام 2006م أثار غضباً مصرياً ردت عليه "تل أبيب" حينئذ بأن من قاموا به هم من جمعيات المجتمع المدني، وليس الحكومة الإسرائيلية، رغم أن مشاركة دبلوماسيين إسرائيليين في مؤتمر القاهرة الأخير (المُلْغَى) تعني إعطاءه الصفة الرسمية، ولهذا قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن القاهرة قامت بإلغاء عقد المؤتمر الدولي ل"يهود مصر" هذا العام أيضاً 2008م قبل وصول الوفود بيوم واحد.
وهو ما أكدته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الجمعة 23 مايو بالقول إن "ليبنه زامير" منظِّمة الجولة ورئيسة جمعية الصداقة الإسرائيلية المصرية تسلمت مساء 21 مايو رسالة (لم تحدد من أين والأرجح أنها من طرف حكومي مصري) جاء فيها "نأسف لذلك، لأن الأوضاع حساسة، ولا نستطيع في الظروف الحالية استضافتكم".
وقد تم استقبال عشرات من المشاركين في الجولة، ومنهم أبناء وأحفاد يهود من أصول مصرية كانوا يأملون في الحصول على هذه التعويضات.
تم الإلغاء "باستغراب" وفق "يديعوت أحرونوت" وزاد من استغرابهم أن إدارة فندق "ماريوت" التي قالوا إنهم حجزوا فيها للوفود في القاهرة أعلنت عن أنها "لا تستطيع استضافة الوفد الإسرائيلي واليهودي "، وقيل إن السبب ربما ذروة موسم السياحة في مصر، والأكثر طرافة أن وكيل السفريات في مصر قال لهم "رغم توجهاتنا الملحة لم نعثر على فندق في القاهرة يوافق على استضافة الوفد الإسرائيلي، ونوصيكم بتأجيل مشروع زيارة مصر"
وهو أمر سبق أن توقعته مصادر سياسية مصرية بالفعل بعدما تردد أنها وراء إلغاء مؤتمر مشابه عام 2006م اضطر منظموه إلى نقله لمدينة "حيفا" في فلسطين المحتلة، ولكن لم يصدر ما يشير لعدم انعقاد المؤتمر، حتى أعلن الجانب الإسرائيلي الجمعة 23 مايو إلغاءه بطلب من مصر
برنامج المؤتمر اليهودي
ونظراً لأن الهدف هو تحريك ما يسمى قضية تعويضات اليهود من أصول مصرية، فقد هاجمت صحف وفضائيات مصرية المؤتمر بشدة فور الإعلان عن تنظيمه، وحثت الحكومة المصرية على رفض عقده على أرضها كي لا يكون (مسمار جحا) جديداً، وكشفت مواقع إلكترونية مصرية وبرامج فضائية تفاصيل الدعوة التي وجهت من "جمعية الصداقة المصرية الإسرائيلية"، وقال الإعلامي "عمرو أديب" في برنامجه "القاهرة اليوم" على قناة "أوربت" إن العشرات من هؤلاء اليهود القادمين من الدول الأوروبية وأمريكا سيدخلون مصر بصفتهم غربيين بداية من الجمعة 23 مايو، ومن المتوقع أن يحضره ما بين 100 300 يهودي.
وقد ناشد الإعلامي "عمرو أديب" الجهات الرسمية في مصر، وخاصة وزارة الخارجية منع إقامة هذا المؤتمر والاحتجاج لدى "إسرائيل" على هذه الخطوة وإيضاح أن اليهود ليس لهم أي حق في مصر، وأن مصر لن تعيد ما فعلته "سويسرا" مع ذهب اليهود، ولفت إلى التزامن بين المطالبة باستعادة ممتلكات اليهود المصريين والاحتفالات التي يقيمها الكيان الصهيوني بمناسبة مرور 60 عاماً على تأسيسه، ووصف هذه الخطوة بأنها امتداد للفكر الاستيطاني اليهودي ومحاولة استغلال أي فرصة
وتضمن برنامج المؤتمر المُلْغَى الذي وضعته "جمعية الصداقة المصرية الإسرائيلية" للوفود القادمة زيارات للمعابد اليهودية ب"القاهرة" و"الإسكندرية" و"المتحف اليوناني"، و"مكتبة الإسكندرية"، وأداء الصلاة في معبد "إلياهو هانابي"، وزيارة شاطئ "ستانلي"، وزيارة "مقابر اليهود" بالإسكندرية، وكان متوقعاً مناقشة موضوعات مثل "يهود من مصر الماضي، الحاضر، والمستقبل"، و"الحفاظ على التراث اليهودي في مصر"، و"تاريخ المؤسسة اليهودية في مصر"، و"الحركة الصهيونية في مصر"، "اليهود في مصر في القرن العشرين".
5 مليارات دولار تعويضات
وظهرت فكرة التعويضات اليهودية من مصر، وباقي الدول العربية لأول مرة في أعقاب مؤتمر أوسلو 1992م، وصعود مطالب عربية ودولية بتعويض فلسطينيي النكبة ممن لن يعودوا لبلادهم؛ بغرض الضغط على مصر والدول العربية ومحاولة نشر فكرة مقايضة تعويضات اليهود بتعويضات الفلسطينيين، حيث يزعمون أن التعويضات عن "ممتلكات" لليهود المصريين تبلغ قيمتها نحو 5 مليارات دولار وهي قيمة تعويضات 3500 قضية مرفوعة على الحكومة المصرية.
والأغرب أن أمريكا شاركت في هذه الحملة عبر برنامج "الحريات الدينية" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية؛ إذ سبق لوفد من لجنة الحريات الدينية الأمريكية أن وضع عام 2006م على أجندة مطالبه من مصر قضية "أملاك اليهود في مصر"، وسلم وفد اللجنة للحكومة المصرية ملفاً كاملاً عن أملاك اليهود في مصر وأماكنها، كانت قد حصلت عليه مسبقاً من الحكومة الإسرائيلية، وأوصت اللجنة ب"عودة هذه الأملاك لأصحابها"
ويطالب اليهود أيضاً باسترداد "وثائق الجنيزا"، وهي وثائق الزواج والبيع والشراء، وشهادات الميلاد، وغيرها من الوثائق الخاصة بالحياة المدنية، وكتب ومخطوطات دينية، وكتب أخرى خاصة بالطوائف اليهودية في مصر، قال وزير الثقافة المصري ضمن حملته للترشيح لليونيسيف ورده على الاتهامات اليهودية بحرق كتب يهودية في مصر "إنه قام بترميمها بالكامل"
40 يهودياً في مصر
المعروف أن عدد اليهود المتبقين في مصر حتى يومنا هذا قليل جداً، ولا يزيد عن 40 شخصاً معظمهم من النساء بعدما كانوا قرابة 200 منذ حوالي خمسة أعوام، ومع ذلك فقد استطاعوا إحياء الاحتفال بمرور 100عام على بناء المعبد اليهودي في وسط القاهرة في أكتوبر من العام الماضي؛ رغم المحاولات الصهيونية الدءوبة لتكثيف التواجد اليهودي الإسرائيلي في مصر والإيحاء بأن الوجود اليهودي في مصر لا يزال كبيراً من خلال زيادة سفر الإسرائيليين لمصر وبقاء بعضهم فيها، إضافة للمطالبة رسمياً من الخارجية المصرية بإنشاء معبد جديد وكبير لليهود المصريين يضم متحفاً لمقتنيات ووثائق اليهود في مصر، إلا أن الوجود الحقيقي ليهود مصر أخذ في التقلص حتى إنهم يواجهون خطر الانقراض فمن أصل 30 معبداً يهودياً في مصر كانت موجودة في الستينيات أصبح عدد المعابد الآن 16 معبداً فقط، ومن أصل 59 ألف يهودي مصري كانوا موجودين في مصر لم يعد موجوداً حتى 2002م على حد قول "روبير نحمان" سكرتير الطائفة اليهودية فى مصر سوى 213 يهودياً كلهم فوق سن السبعين تقريباً وليس بينهم شاب واحد منهم 198 في القاهرة، و15 فى الإسكندرية، وبينهم 204 امرأة و9 رجال، وهناك أرقام حديثة غير موثقة تقول إنهم أصبحوا 40 فرداً فقط بعد هجرة البعض ووفاة البعض الآخر.
ولا يوجد أيضاً حاخام يهودي مصري مقيم فى مصر ليقود ممارسة الشعائر اليهودية أيام السبت، أو فى الأعياد كما أن اليهود لا يصلون صلاة جماعية؛ لأن عددهم فى معبد "عدلي" الشهير بوسط القاهرة لا يصل إلى عشرة أفراد (وهو العدد المحدد لإقامة صلاة الجماعة) ولذلك يصلون منفردين أيام السبت؛ إذ إن عددهم يوم السبت لا يزيد عن أربعة أفراد، ولذلك يقوم حاخام من الكيان الصهيوني بزيارة يهود مصر فى الأعياد والموالد والمناسبات اليهودية المختلفة للصلاة بهم، وغالباً ما يصطحب معه عدداً من الصهاينة ليكملوا عدد العشرة أفراد اللازمين لإقامة صلاة جماعية
ووفقاً للأرقام الرسمية المصرية، فهناك أيضاً قرابة 500 يهودي عادوا من الكيان الصهيوني للعيش فى مصر بشكل مؤقت بعد معاهدة السلام، وغالبيتهم من البعثة الدبلوماسية الصهيونية، أو الخبراء الزراعيين، أو رجال الأعمال، أو المصريين الذين هاجروا من مصر قبل ثلاثين عاماً. كما سعت الحكومات الصهيونية المتتالية لمطالبة مصر بمطالب خاصة ليهود مصر المقيمين، مثل المطالبة بإنشاء معبد كبير فى صورة متحف يضم مقتنيات اليهود فى مصر ووثائقهم، والمطالبة ليهود مصر الذين هاجروا فى الماضي بتعويضات عن الممتلكات والأراضي التي تركوها قبل هجرتهم لإسرائيل، كذلك طالب الإسرائيليون مصر رسمياً بتوسيع بعض المعابد وتطويرها.
حملة ابتزاز جديدة
وضمن حملة ابتزاز الحكومات العربية المستمرة والضغط عليها بدعوى تعويض اليهود العرب الذين هاجروا من الدول العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، دشن صهاينة ويهود أمريكيون حملة على الإنترنت عبر موقع يسمى "العدالة لليهود" أو
http//www.justiceforjews.com، منذ 2006م يطالبون فيها بتعويض اليهود الذين غادروا البلاد العربية إلى الدولة العبرية بدعوى اعتبارهم "لاجئين".
ومع أن تقارير سابقة لمنظمات صهيونية قدرت هؤلاء ب 600 ألف يهودي عربي فقد ضخمت الحملة الجديدة من أعداد هؤلاء النازحين أو الهاربين من الدول العربية عقب تصاعد الصراع العربي الصهيوني، وزعم بيان الحملة الجديدة أن أعداد اليهود "النازحين" تقترب من المليون شخص، ودعا اليهود العرب إلى تسجيل أنفسهم والبلاد التي جاءوا منها لتوثيق "التاريخ اليهودي" وتأكيد ما يسمى "حقوق اليهود العرب".
ويبرر موقع حملة تعويض اليهود العرب السبب وراء تدشين هذه الحملة بأنه "عندما تتم مناقشة قضية اللاجئين في الشرق الأوسط تتم الإشارة دائماً إلى اللاجئين الفلسطينيين، وليس اليهود الذين تم ترحيلهم من الدول العربية"، والمجتمع الدولي لم يتعامل بشكل كافٍ أيضاً مع "الانتهاكات الهائلة" لحقوق الإنسان (اليهودي) وترحيل اليهود من الدول العربية، حسبما يزعم الموقع الصهيوني.
ويزعم منظمو الحملة الصهيونية أنهم سوف يقومون بتسجيل وإعلان ما أسموها ب"الانتهاكات الهائلة" بحق اليهود الذين عاشوا في البلدان العربية، والتي شملت حسب زعمهم "القتل والتعذيب والاعتقال التعسفي والاستيلاء على الممتلكات"، وسوف يتم جمع (وثائق) في وحدة قانونية خاصة في وزارة العدل الإسرائيلية لتأكيد "حقوق" هؤلاء اليهود.
مسمار جحا وتظهر لعبة التعويضات والحديث عن اللاجئين اليهود دوماً في المناسبات المختلفة التي تشهد مفاوضات سلام، أو تلك التي يرغب الصهاينة في استغلال أحداث معينة لصالحهم من خلالها، على غرار (مسمار جحا)، والمطالبة بملايين الدولارات لعشرات اليهود العرب الذين هاجروا من مصر والعراق وسورية، وغيرها.
وقد قدر المؤتمر اليهودي العالمي عدد من يزعم أنهم من اليهود الذين أرغموا على ترك ديارهم في بلدان عربية مثل الجزائر ومصر، والعراق، وليبيا، وسورية، واليمن بحوالي 900 ألف يهودي، ذهب نحو 620 ألفاً منهم إلى "إسرائيل" بينما اتجهت البقية لفرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، ودول أخرى.
وقد تأسست هيئة تدعى (المنظمة العالمية ليهود الدول العربية) في السبعينيات عقب توقيع أول اتفاقيات السلام مع مصر، وكانت هذه المنظمة جزءاً مما يسمي (تحالف العدالة من أجل اليهود) لحماية ثروات اليهود في العالم، وزعموا أن اليهود خسروا أكثر من مائة مليار دولار في شكل أصول شخصية وعامة بسبب مصادرات حكومات عربية مختلفة لهذه الأصول، مما دفع بعض اليهود العرب لإقامة دعاوى قضائية كما حدث في مصر للمطالبة بما يسمونه الممتلكات المفقودة، مثل حارة اليهود في مصر
أيضاً قامت وزارة العدل الإسرائيلية بتجميع وتسجيل شهادات وإقرارات ومطالبات بممتلكات لصهاينة، ادعت أنها تلقت آلاف المطالبات منهم عن حقوقهم في الدول العربية التي خرجوا منها، وقالت إدارة حقوق اليهود من الدول العربية في الوزارة في بيان أصدرته قبل بضعة أشهر إن استخدام استمارات المطالبات هذه في المستقبل متروك للحكومة الإسرائيلية.
ويقدر الصهاينة عدد هؤلاء اليهود المستحقين للتعويضات (أي يهود البلاد العربية الذين هاجروا) بتقديرات مختلفة، فعلى حين قدرتهم اللجنة التي شكلها الكنيست ب600 ألف، تقدر المنظمات اليهودية العالمية أعدادهم بمليون يهودي تزعم أنهم غادروا البلاد العربية في أوائل الأربعينيات والسبعينيات.
أما التقديرات المالية لقيمة التعويضات فيرفض الصهاينة على الجانبين تحديدها بدقة، مكتفين بالقول إنها تفوق تعويضات الأوروبيين لليهود وتقديراتها الأولية لا تقل عن (عشرات مليارات الدولارات)
والغريب أنه قد نشرت مقالات استطلاعية من جانب بعض اليهود حول إمكانية الحصول على هذه التعويضات اعترفوا فيها بصعوبة ذلك دون التوصل إلى سلام شامل بين العرب واليهود، إلا أنهم اعترفوا أن العرب سيطلبون بدورهم بتعويضات مماثلة عن ممتلكات عرب 1948م اللاجئين، وعرب دول عربية أخرى تضرروا بسبب احتلال أراضيهم وطردهم منها، والاستيلاء على ممتلكاتهم وهنا يكمن الجواب على السؤال المحير لماذا هذا النشاط الصهيوني المكثف الآن لاستعادة هذه الممتلكات المزعومة والهجوم على الدول العربية؟
والجواب باختصار على لسان الصهاينة أنفسهم هو الاستعداد للمطالبة العربية وخصوصاً الفلسطينية بتعويضات عن الاحتلال الاسرائيلى ونهب ثروات بلدان عربية أخرى خلال سنوات الاحتلال (مثل نهب بترول وثروات سيناء المصرية على مدار ست سنوات
في يونيو 2006م حاول يهود من أصول مصرية عقد مؤتمر لهم في مصر بغرض تدشين حملة للضغط عليها للمطالبة بتعويضات رسمية عما يزعمون أنها ممتلكات لهم تركوها وراءهم في مصر؛ بيد أن القاهرة أبلغتهم بشكل غير مباشر أن المؤتمر غير مرحب به في مصر؛ فعقدوا مؤتمرهم في مدينة "حيفا" بفلسطين.. وفي مايو من هذا العام عاودوا الحيلة نفسها، وأعلنوا عن مؤتمر بالقاهرة يحضره يهود من أوروبا، وأمريكا ومن الكيان الصهيوني تحت شعار (العصر الذهبي لليهود في مصر) ترعاه "جمعية الصداقة المصرية الإسرائيلية" (مقرها تل أبيب) و"المركز الأكاديمي الإسرائيلي" بالقاهرة، في الفترة من 25 إلى 29 مايو.
وكي يضمنوا الضغط على مصر قالوا إن الحاضرين للمؤتمر سيكونون سُياحاً يهوداً وغير يهود من أمريكا وأوروبا، وإنهم حجزوا بالفعل مئات الغرف في أشهر الفنادق المصرية، وأعلنوا عن برنامج الرحلة عبر ما يسمي "جمعية الصداقة المصرية الإسرائيلية" وقالوا إنه سيحضره دبلوماسيون إسرائيليون.
بيد أن مصر تعاملت معهم بنفس المنطق، وهو التجاهل والرفض غير الرسمي، خصوصاً أن عقد مؤتمر "حيفا" عام 2006م أثار غضباً مصرياً ردت عليه "تل أبيب" حينئذ بأن من قاموا به هم من جمعيات المجتمع المدني، وليس الحكومة الإسرائيلية، رغم أن مشاركة دبلوماسيين إسرائيليين في مؤتمر القاهرة الأخير (المُلْغَى) تعني إعطاءه الصفة الرسمية، ولهذا قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن القاهرة قامت بإلغاء عقد المؤتمر الدولي ل"يهود مصر" هذا العام أيضاً 2008م قبل وصول الوفود بيوم واحد.
وهو ما أكدته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الجمعة 23 مايو بالقول إن "ليبنه زامير" منظِّمة الجولة ورئيسة جمعية الصداقة الإسرائيلية المصرية تسلمت مساء 21 مايو رسالة (لم تحدد من أين والأرجح أنها من طرف حكومي مصري) جاء فيها "نأسف لذلك، لأن الأوضاع حساسة، ولا نستطيع في الظروف الحالية استضافتكم".
وقد تم استقبال عشرات من المشاركين في الجولة، ومنهم أبناء وأحفاد يهود من أصول مصرية كانوا يأملون في الحصول على هذه التعويضات.
تم الإلغاء "باستغراب" وفق "يديعوت أحرونوت" وزاد من استغرابهم أن إدارة فندق "ماريوت" التي قالوا إنهم حجزوا فيها للوفود في القاهرة أعلنت عن أنها "لا تستطيع استضافة الوفد الإسرائيلي واليهودي "، وقيل إن السبب ربما ذروة موسم السياحة في مصر، والأكثر طرافة أن وكيل السفريات في مصر قال لهم "رغم توجهاتنا الملحة لم نعثر على فندق في القاهرة يوافق على استضافة الوفد الإسرائيلي، ونوصيكم بتأجيل مشروع زيارة مصر"
وهو أمر سبق أن توقعته مصادر سياسية مصرية بالفعل بعدما تردد أنها وراء إلغاء مؤتمر مشابه عام 2006م اضطر منظموه إلى نقله لمدينة "حيفا" في فلسطين المحتلة، ولكن لم يصدر ما يشير لعدم انعقاد المؤتمر، حتى أعلن الجانب الإسرائيلي الجمعة 23 مايو إلغاءه بطلب من مصر
برنامج المؤتمر اليهودي
ونظراً لأن الهدف هو تحريك ما يسمى قضية تعويضات اليهود من أصول مصرية، فقد هاجمت صحف وفضائيات مصرية المؤتمر بشدة فور الإعلان عن تنظيمه، وحثت الحكومة المصرية على رفض عقده على أرضها كي لا يكون (مسمار جحا) جديداً، وكشفت مواقع إلكترونية مصرية وبرامج فضائية تفاصيل الدعوة التي وجهت من "جمعية الصداقة المصرية الإسرائيلية"، وقال الإعلامي "عمرو أديب" في برنامجه "القاهرة اليوم" على قناة "أوربت" إن العشرات من هؤلاء اليهود القادمين من الدول الأوروبية وأمريكا سيدخلون مصر بصفتهم غربيين بداية من الجمعة 23 مايو، ومن المتوقع أن يحضره ما بين 100 300 يهودي.
وقد ناشد الإعلامي "عمرو أديب" الجهات الرسمية في مصر، وخاصة وزارة الخارجية منع إقامة هذا المؤتمر والاحتجاج لدى "إسرائيل" على هذه الخطوة وإيضاح أن اليهود ليس لهم أي حق في مصر، وأن مصر لن تعيد ما فعلته "سويسرا" مع ذهب اليهود، ولفت إلى التزامن بين المطالبة باستعادة ممتلكات اليهود المصريين والاحتفالات التي يقيمها الكيان الصهيوني بمناسبة مرور 60 عاماً على تأسيسه، ووصف هذه الخطوة بأنها امتداد للفكر الاستيطاني اليهودي ومحاولة استغلال أي فرصة
وتضمن برنامج المؤتمر المُلْغَى الذي وضعته "جمعية الصداقة المصرية الإسرائيلية" للوفود القادمة زيارات للمعابد اليهودية ب"القاهرة" و"الإسكندرية" و"المتحف اليوناني"، و"مكتبة الإسكندرية"، وأداء الصلاة في معبد "إلياهو هانابي"، وزيارة شاطئ "ستانلي"، وزيارة "مقابر اليهود" بالإسكندرية، وكان متوقعاً مناقشة موضوعات مثل "يهود من مصر الماضي، الحاضر، والمستقبل"، و"الحفاظ على التراث اليهودي في مصر"، و"تاريخ المؤسسة اليهودية في مصر"، و"الحركة الصهيونية في مصر"، "اليهود في مصر في القرن العشرين".
5 مليارات دولار تعويضات
وظهرت فكرة التعويضات اليهودية من مصر، وباقي الدول العربية لأول مرة في أعقاب مؤتمر أوسلو 1992م، وصعود مطالب عربية ودولية بتعويض فلسطينيي النكبة ممن لن يعودوا لبلادهم؛ بغرض الضغط على مصر والدول العربية ومحاولة نشر فكرة مقايضة تعويضات اليهود بتعويضات الفلسطينيين، حيث يزعمون أن التعويضات عن "ممتلكات" لليهود المصريين تبلغ قيمتها نحو 5 مليارات دولار وهي قيمة تعويضات 3500 قضية مرفوعة على الحكومة المصرية.
والأغرب أن أمريكا شاركت في هذه الحملة عبر برنامج "الحريات الدينية" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية؛ إذ سبق لوفد من لجنة الحريات الدينية الأمريكية أن وضع عام 2006م على أجندة مطالبه من مصر قضية "أملاك اليهود في مصر"، وسلم وفد اللجنة للحكومة المصرية ملفاً كاملاً عن أملاك اليهود في مصر وأماكنها، كانت قد حصلت عليه مسبقاً من الحكومة الإسرائيلية، وأوصت اللجنة ب"عودة هذه الأملاك لأصحابها"
ويطالب اليهود أيضاً باسترداد "وثائق الجنيزا"، وهي وثائق الزواج والبيع والشراء، وشهادات الميلاد، وغيرها من الوثائق الخاصة بالحياة المدنية، وكتب ومخطوطات دينية، وكتب أخرى خاصة بالطوائف اليهودية في مصر، قال وزير الثقافة المصري ضمن حملته للترشيح لليونيسيف ورده على الاتهامات اليهودية بحرق كتب يهودية في مصر "إنه قام بترميمها بالكامل"
40 يهودياً في مصر
المعروف أن عدد اليهود المتبقين في مصر حتى يومنا هذا قليل جداً، ولا يزيد عن 40 شخصاً معظمهم من النساء بعدما كانوا قرابة 200 منذ حوالي خمسة أعوام، ومع ذلك فقد استطاعوا إحياء الاحتفال بمرور 100عام على بناء المعبد اليهودي في وسط القاهرة في أكتوبر من العام الماضي؛ رغم المحاولات الصهيونية الدءوبة لتكثيف التواجد اليهودي الإسرائيلي في مصر والإيحاء بأن الوجود اليهودي في مصر لا يزال كبيراً من خلال زيادة سفر الإسرائيليين لمصر وبقاء بعضهم فيها، إضافة للمطالبة رسمياً من الخارجية المصرية بإنشاء معبد جديد وكبير لليهود المصريين يضم متحفاً لمقتنيات ووثائق اليهود في مصر، إلا أن الوجود الحقيقي ليهود مصر أخذ في التقلص حتى إنهم يواجهون خطر الانقراض فمن أصل 30 معبداً يهودياً في مصر كانت موجودة في الستينيات أصبح عدد المعابد الآن 16 معبداً فقط، ومن أصل 59 ألف يهودي مصري كانوا موجودين في مصر لم يعد موجوداً حتى 2002م على حد قول "روبير نحمان" سكرتير الطائفة اليهودية فى مصر سوى 213 يهودياً كلهم فوق سن السبعين تقريباً وليس بينهم شاب واحد منهم 198 في القاهرة، و15 فى الإسكندرية، وبينهم 204 امرأة و9 رجال، وهناك أرقام حديثة غير موثقة تقول إنهم أصبحوا 40 فرداً فقط بعد هجرة البعض ووفاة البعض الآخر.
ولا يوجد أيضاً حاخام يهودي مصري مقيم فى مصر ليقود ممارسة الشعائر اليهودية أيام السبت، أو فى الأعياد كما أن اليهود لا يصلون صلاة جماعية؛ لأن عددهم فى معبد "عدلي" الشهير بوسط القاهرة لا يصل إلى عشرة أفراد (وهو العدد المحدد لإقامة صلاة الجماعة) ولذلك يصلون منفردين أيام السبت؛ إذ إن عددهم يوم السبت لا يزيد عن أربعة أفراد، ولذلك يقوم حاخام من الكيان الصهيوني بزيارة يهود مصر فى الأعياد والموالد والمناسبات اليهودية المختلفة للصلاة بهم، وغالباً ما يصطحب معه عدداً من الصهاينة ليكملوا عدد العشرة أفراد اللازمين لإقامة صلاة جماعية
ووفقاً للأرقام الرسمية المصرية، فهناك أيضاً قرابة 500 يهودي عادوا من الكيان الصهيوني للعيش فى مصر بشكل مؤقت بعد معاهدة السلام، وغالبيتهم من البعثة الدبلوماسية الصهيونية، أو الخبراء الزراعيين، أو رجال الأعمال، أو المصريين الذين هاجروا من مصر قبل ثلاثين عاماً. كما سعت الحكومات الصهيونية المتتالية لمطالبة مصر بمطالب خاصة ليهود مصر المقيمين، مثل المطالبة بإنشاء معبد كبير فى صورة متحف يضم مقتنيات اليهود فى مصر ووثائقهم، والمطالبة ليهود مصر الذين هاجروا فى الماضي بتعويضات عن الممتلكات والأراضي التي تركوها قبل هجرتهم لإسرائيل، كذلك طالب الإسرائيليون مصر رسمياً بتوسيع بعض المعابد وتطويرها.
حملة ابتزاز جديدة
وضمن حملة ابتزاز الحكومات العربية المستمرة والضغط عليها بدعوى تعويض اليهود العرب الذين هاجروا من الدول العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، دشن صهاينة ويهود أمريكيون حملة على الإنترنت عبر موقع يسمى "العدالة لليهود" أو
http//www.justiceforjews.com، منذ 2006م يطالبون فيها بتعويض اليهود الذين غادروا البلاد العربية إلى الدولة العبرية بدعوى اعتبارهم "لاجئين".
ومع أن تقارير سابقة لمنظمات صهيونية قدرت هؤلاء ب 600 ألف يهودي عربي فقد ضخمت الحملة الجديدة من أعداد هؤلاء النازحين أو الهاربين من الدول العربية عقب تصاعد الصراع العربي الصهيوني، وزعم بيان الحملة الجديدة أن أعداد اليهود "النازحين" تقترب من المليون شخص، ودعا اليهود العرب إلى تسجيل أنفسهم والبلاد التي جاءوا منها لتوثيق "التاريخ اليهودي" وتأكيد ما يسمى "حقوق اليهود العرب".
ويبرر موقع حملة تعويض اليهود العرب السبب وراء تدشين هذه الحملة بأنه "عندما تتم مناقشة قضية اللاجئين في الشرق الأوسط تتم الإشارة دائماً إلى اللاجئين الفلسطينيين، وليس اليهود الذين تم ترحيلهم من الدول العربية"، والمجتمع الدولي لم يتعامل بشكل كافٍ أيضاً مع "الانتهاكات الهائلة" لحقوق الإنسان (اليهودي) وترحيل اليهود من الدول العربية، حسبما يزعم الموقع الصهيوني.
ويزعم منظمو الحملة الصهيونية أنهم سوف يقومون بتسجيل وإعلان ما أسموها ب"الانتهاكات الهائلة" بحق اليهود الذين عاشوا في البلدان العربية، والتي شملت حسب زعمهم "القتل والتعذيب والاعتقال التعسفي والاستيلاء على الممتلكات"، وسوف يتم جمع (وثائق) في وحدة قانونية خاصة في وزارة العدل الإسرائيلية لتأكيد "حقوق" هؤلاء اليهود.
مسمار جحا وتظهر لعبة التعويضات والحديث عن اللاجئين اليهود دوماً في المناسبات المختلفة التي تشهد مفاوضات سلام، أو تلك التي يرغب الصهاينة في استغلال أحداث معينة لصالحهم من خلالها، على غرار (مسمار جحا)، والمطالبة بملايين الدولارات لعشرات اليهود العرب الذين هاجروا من مصر والعراق وسورية، وغيرها.
وقد قدر المؤتمر اليهودي العالمي عدد من يزعم أنهم من اليهود الذين أرغموا على ترك ديارهم في بلدان عربية مثل الجزائر ومصر، والعراق، وليبيا، وسورية، واليمن بحوالي 900 ألف يهودي، ذهب نحو 620 ألفاً منهم إلى "إسرائيل" بينما اتجهت البقية لفرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، ودول أخرى.
وقد تأسست هيئة تدعى (المنظمة العالمية ليهود الدول العربية) في السبعينيات عقب توقيع أول اتفاقيات السلام مع مصر، وكانت هذه المنظمة جزءاً مما يسمي (تحالف العدالة من أجل اليهود) لحماية ثروات اليهود في العالم، وزعموا أن اليهود خسروا أكثر من مائة مليار دولار في شكل أصول شخصية وعامة بسبب مصادرات حكومات عربية مختلفة لهذه الأصول، مما دفع بعض اليهود العرب لإقامة دعاوى قضائية كما حدث في مصر للمطالبة بما يسمونه الممتلكات المفقودة، مثل حارة اليهود في مصر
أيضاً قامت وزارة العدل الإسرائيلية بتجميع وتسجيل شهادات وإقرارات ومطالبات بممتلكات لصهاينة، ادعت أنها تلقت آلاف المطالبات منهم عن حقوقهم في الدول العربية التي خرجوا منها، وقالت إدارة حقوق اليهود من الدول العربية في الوزارة في بيان أصدرته قبل بضعة أشهر إن استخدام استمارات المطالبات هذه في المستقبل متروك للحكومة الإسرائيلية.
ويقدر الصهاينة عدد هؤلاء اليهود المستحقين للتعويضات (أي يهود البلاد العربية الذين هاجروا) بتقديرات مختلفة، فعلى حين قدرتهم اللجنة التي شكلها الكنيست ب600 ألف، تقدر المنظمات اليهودية العالمية أعدادهم بمليون يهودي تزعم أنهم غادروا البلاد العربية في أوائل الأربعينيات والسبعينيات.
أما التقديرات المالية لقيمة التعويضات فيرفض الصهاينة على الجانبين تحديدها بدقة، مكتفين بالقول إنها تفوق تعويضات الأوروبيين لليهود وتقديراتها الأولية لا تقل عن (عشرات مليارات الدولارات)
والغريب أنه قد نشرت مقالات استطلاعية من جانب بعض اليهود حول إمكانية الحصول على هذه التعويضات اعترفوا فيها بصعوبة ذلك دون التوصل إلى سلام شامل بين العرب واليهود، إلا أنهم اعترفوا أن العرب سيطلبون بدورهم بتعويضات مماثلة عن ممتلكات عرب 1948م اللاجئين، وعرب دول عربية أخرى تضرروا بسبب احتلال أراضيهم وطردهم منها، والاستيلاء على ممتلكاتهم وهنا يكمن الجواب على السؤال المحير لماذا هذا النشاط الصهيوني المكثف الآن لاستعادة هذه الممتلكات المزعومة والهجوم على الدول العربية؟
والجواب باختصار على لسان الصهاينة أنفسهم هو الاستعداد للمطالبة العربية وخصوصاً الفلسطينية بتعويضات عن الاحتلال الاسرائيلى ونهب ثروات بلدان عربية أخرى خلال سنوات الاحتلال (مثل نهب بترول وثروات سيناء المصرية على مدار ست سنوات