هذه واحدة من أروع قصص الحب و الإخلاص بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم , و زوجته خديجة بنت خويلد , استمر ذلك الحب و الإخلاص حتى بعد وفاتها , فضرب لنا أروع الأمثلة فى الوفاء و الإخلاص .
نشأت رضى الله عنها فى بيت من البيوت الشريفة , فتربت على الأخلاق الكريمة , و الصفات الحميدة , تزوجت اثنين قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم , مات زوجها الأول , و لم يدم زواجها الثانى , فتقدم لها أشراف قريش , كل منهم يسعى كى ينال شرف الزواج منها , و لكنها انصرفت لتربية أولادها , و إدارة تجارتها .
كانت تستأجر الرجال كى يتاجروا لها بأموالها , سمعت عن أمانة وصدق (محمد بن عبد الله) فأرسلت إليه و عرضت عليه العمل فى تجارتها , قالت له : أنها استعانت به لما بلغها من صدق حديثه و أمانته , و كريم أخلاقه .
خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فى تجارة لها , كان فى الخامسة و العشرين من عمره , أى قبل النبوة بخمس عشرة سنة , فلما عاد من تجارته , رأت عند قدومه غمامة تظله , سعت للزواج منه عن طريق صديقة لها , تم ذلك الزواج المبارك , و هى فى الأربعين من عمرها , لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأة غيرها حتى ماتت , وقد رزقه الله جميع أولاده منها , سوى ابنه إبراهيم الذى مات صغيرا , فقد كانت أمه مارية القبطية .
وصفها رسول الله صلى الله عليه و سلم بأنها خير نساء الدنيا , فقد سمعه على بن أبى طالب رضى الله عنه يقول : خير نسائها مريم بنت عمران , و خير نسائها خديجة .
أتى جبريل عليه السلام النبىَّ صلى الله عليه و سلم و قال له : يا رسول الله , قد أتتك بإناء فيه إدام - أو طعام أو شراب - فإذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها و منى , و بشرها ببيت فى الجنة من قصب , لا صخب فيه و لا نصب .
استمر حب رسول الله لها بعد موتها , كان حبا شديدا حتى أن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها شعرت بالغيرة منها , و هى التى روت ذلك بنفسها فقالت ما معناه : ما غرت على أحد من نساء النبى صلى الله عليه و سلم مثل غيرتى من خديجة , رغم أننى لم أرها , و لكن كان رسول الله يكثر ذكرها , و ربما ذبح الشاة فكان يقطعها , و يبعث لصاحبات خديجة رضى الله عنها .
و قالت أيضا : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة , فيثنى عليها , فذكرها ذات يوم فشعرت بالغيرة , فقلت : هل كانت إلا عجوزا , قد أخلف الله لك خيرا منها ؟
غضب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى اهتز مقدم شعره من الغضب , ثم قال : لا و الله , ما أخلف الله لى خيرا منها , لقد آمنت إذ كفر الناس , وصدَّقتنى إذ كذَّبنى الناس , وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس , و رزقنى الله عز و جل أولادها إذ حرمنى أولاد النساء .
فلما سمعت عائشة رضى الله عنها ذلك من رسول الله صلى الله عليه و سلم , قالت بينها و بين نفسها : لن أذكرها بسوء أبدا .
توفيت خديجة رضى الله عنها بعد نزول الوحى على رسول الله صلى الله عليه و سلم بعشر سنين , و كانت عند وفاتها بنت خمس و ستين سنة .